المنشورات

أمثلة تطبيقية من السيرة النبوية لصلة الرحم

كثيرة هي الأمثلة التي وقفها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أرحامه وقرابته، فكان يدعوهم إلى الله تعالى، ويثني عليهم ويفخر بهم ويدعو لهم ويعينهم بالمال والفعال، ويوصي بأرحامه خيرًا، ويحذر من إيذاؤهم، ويحث على حُبِّهم والقيام بواجب حقِّهم، على الرغم من عداوة بعضهم له غير أنه كان بهم برًا رحيما.
عُرِفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بصلة الرحم قبل البعثة، كما جاء في صحيح البخاري، ومسلم من قول أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - في قصة بدء الوحي: "كَلا وَاللهِ مَا يُخزِيكَ اللهُ أَبَدًا إِنكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214]، قام النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فنادى: "يا بني كعب بن لُؤي! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبِلالها" (1).
قلت: وفي بعض الروايات جعل يسمي يا عباس بن عبد المطلب. يا صفية عمة رسول الله. كل ذلك يوصي وينصح أرحامه ويعم ويخص - صلى الله عليه وسلم -.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو لأرحامه ويثني عليهم ويتألم لإيذاء أحد منهم ويوصى بأهل بيته خيرًا.
عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُذكركُمُ اللهَ في أهلِ بيتي" (1).
وهذا الحديث غاية في الوصية بهم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العباس عم رسول الله، وإن عم الرجل صنو أبيه" (2).
وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عمي وصنو أبي العباس" (3). أي احفظوا حقي فيه وأنزلوه منزل الإكرام ولا تؤذوه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من آذي العباس فقد آذاني إنما عم الرجل صنو أبيه" (4).
ودعا لأبنه عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن يعلمه التأويل والفقه في الدين.
وكان يثني على سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ويفخر به، وسعد بن مالك من بني زهرة يشترك مع أم النبي - صلى الله عليه وسلم - في النسب من بني زهرة كذلك، فهو من أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم -. عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا خالي فليرني امرؤ خاله" (5).
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود سعد ويزوره عندما مرض ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له: "اللهُم اشفِ سعدًا، وأتمم له هِجرَته" (1).
وهذا الزبير بن العوام - رضي الله عنه - ابن عمته صفية بنت عبد المطلب أثنى عليه.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لكُلِّ نبيٍّ حواري، وحواري الزبير" (2)، وجمع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه فقال: "فداك أبي وأمي" (3).
وحنَّك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه ووضعه في حجره، ثم دعا بتمره فمضغها، ثم بصقها في فيه ومسحه وصلى عليه وسماه عبد الله (4).
ومن حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على دعوة عمه أبا طالب عند الوفاة ما رواه البخاري (1360 فتح) ومسلم (24) عن المسيب بن حزن - رضي الله عنه - قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول اللهُ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهدُ بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبدُ الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغبُ عن ملةِ عبد المطلب؟! فلم يزل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويُعيدُ له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملةِ عبد المطلب، وأبى أنْ يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله -عز وجل-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)} [التوبة: 113]، وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)} [القصص: 56].
فقل لي بربك أيها العاقل -الودود- بعد هذا التطواف في بساتين الصلة، ومطالعة الآثار المترتبة على القطيعة، والواجب المناط بكل مسلم ومسلمة، تجاه أرحامه، أفيصبح عاقلًا من يقطع أرحامه؟ ويدرك خطر العاقبة وهو يقرأ قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} [محمد: 23].
أيسمى عاقلًا من يبصر النجاة، ورضا مولاه، ثم لا يكون لأرحامه وصولًا؟
أمامك فانظر أيّ نهجك تنهجُ ... طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید