المنشورات

القُدوَةُ الحسنة.

القدوة لغة: الأسوة، يقال: فلان قدوة، يقتدى به (2).

القدوة الحسنة أسوة لأتباعه يقودهم بالفعل والقول، ويتأثرون بعمله الجميل، ولفظه الحسن، فيحذون حذوه، فإن كان الصدق مطلوبًا من كل عامل، فإنه في القدوة أكثر طلبًا، وإن كان الجد مطلوبًا من كل مسلم، فإنه في القدوة أكثر حاجة؛ لأن الناس مجبولون على عدم الانتفاع بمن خالف قوله فعله، وأول علامة النجاح في القدوة أن يقوم بما يأمر به، وينتهي عما ينهى عنه.
وكم تحت هذه الآية من كنز؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].
قال الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد -سدده الله-: "ومن دقيق المعنى في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه جعل الأسوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يحصره في وصف خاص من أوصافه، أو خلق من أخلاقه، أو عمل من أعماله الكريمة، وما ذلك إلا من أجل أن يشمل الاقتداء في أقواله -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله وسيرته كلها، فيقتدى به، - صلى الله عليه وسلم - بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقتدى بأفعاله وسلوكه من الصبر والشجاعة والثبات والأدب وسائر أخلاقه، كما يشمل الاقتداء بأنواع درجات الاقتداء من الواجب والمستحب وغير ذلك مما هو محل الاقتداء" (1).
قلت: ولو اقتدى كل مسؤول برسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله وفعله، لكانت النجاحات لنا في كل جانب، وما الإخفاقات إلا بسبب ضعف الاقتداء.
قال تعالى على لسان شعيب -وهو يعظ قومه وأتباعه-: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88].
وقال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44].
وقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف2: 3].

أكبر علامات فشل المسؤول
إن التناقض بين القول والعمل والظاهر والباطن أكبر علامة لسقوط. المسؤول، فالرئيس الذي يتحدث عن الأمانة وهو يسرق، والذي يطلب من العاملين معه الالتزام وهو آخر من يحضر -يمحو بتصرفه عشرات الأقوال .. وعلى هذا فقس.
ولهذا قال نبي الله شعيب - عليه السلام -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
وقد قيل: من لا يستطيع تصحيح أخطاء نفسه، فلا يصح له أن يكون قيمًا على أخطاء الآخرين.
ونظرة ممعنة في القرآن الكريم حول القدوة نجد أن القرآن الكريم فيه من النماذج بالدعوة إلى الاقتداء بالرسل والأنبياء عمومًا.
قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)} [الأنعام: 90].
وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب: 21].
ومن دقيق ما يذكر في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه جعل الأسوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطلقة، ولم يحصرها في وصف خاص من أوصافه، أو خلق من أخلاقه، أو عمل من أعماله الكريمة، وما ذاك إلا من أجل أن يشمل الاقتداء في أقواله وأفعاله وسيرته كلها؛ كما سبق بيانه.
قلت: وكلما كان الرئيس قدوة، كان في العاملين معه أكثر تأثيراً؛ ليعرف العاملون معه صدق أقواله تتجسد في أفعاله فيتأثرون به، ولا شك أن الفعل إذا انضم إلى القول، كان أبلغ وأكثر تأثيراً من القول المجرد.










مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م 

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید