المنشورات

عدم قتل الحيوان إلا لدفع ضر، أو لضرورة.

إذا أضر الحيوان بالمسلم واعتدى عليه، جاز قتله، ومن الحيوان ما ينهى عن قتله، ومنه ما يجوز قتله؛ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "خَمس من الدواب لَيسَ عَلَى المحرِم فِي قَتلِهِن جُنَاح: الغرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقرَبُ، وَالفَأرَةُ، وَالكَلبُ العقُورُ" (3).
وخُصَّت هذه الدواب بالقتل لأنها مؤذيات مفسدات تكثر في المساكن والعمران، ويتعسر دفعها والتحرز منها، ومنها ما هو صائل لا ينزجر كالكلب العقور وكل سبع عقور، وكذا الحيات.
وعليه فكل حيوان أضر جاز قتله.
بل السنة قضت باستحباب قتل الوزغ، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله، وسماه فويسقاً، وحث عليه ورغب فيه، لكونه من المؤذيات، ولكون هذه الدَّابة لها موقف سيئ مع إبراهيم - عليه السلام - عندما ألقي في النار كما في حديث أمِّ شَريكٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بقتل الأوزَاغِ (1).
وعن سائبة مولاة للفاكه بن المغيرة أنها دخلت على عائشة - رضي الله عنها - فرأت في بيتها رمحاً موضوعاً، فقالت: يا أم المؤمنين، ما تصنعين بهذا الرمح؟ قالت: نقتل به الأوزاغ، فإن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا: "أن إبراهيم - عليه السلام- حين أُلقيَ في النار، لم تكن دابة إلا تُطفي النار عنه غير الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه" (2).
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوزغ فُوَيسقٌ" (3).
وأمَّا الدواب التي ينهي عن قتلها فهي النملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد" (4).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعَةٌ مِنَ الدوابِ لا يُقتلن: الصُّرَدِ وَالضفدَعِ وَالنملَةِ وَالهُدهُد" (1).
الأصل في تحريم قتلها التسليم، وبعض أهل العلم بحث في حكمة النهي قال الخطابي: "إنما جاء قتل النمل عن نوع خاص، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال، لأنها قليلة الأذى والضرر، وأما النحلة فلما فيها من المنفعة، وهو العسل والشمع، وأما الهدهد والورد فلتحريم لحمهما لأن الحيوان إذا نهي عن قتله ولم يكن ذلك لاحترامه أو لضرر فيه، كان لتحريم لحمه، ألا ترى أنه نُهي عن قتل الحيوان لغير مأكله، ويقال: إن الهدهد مُنتن الريح، فصار في معنى الجلالة، والورد تتشاءم به العرب وتتطير بصوته وشخصه، وقيل: إنما كرهوه من اسمه، من التصريد، وهو التقليل".
قلت: الصُّرَدِ: طائر جارح معروف عندنا بـ (الحمامي) قال ابن الأثير: الورد: طائر ضخمُ الرأس والمنقار، له ريش عظيم نصفه أبيض ونصفه أسود" (2).
ومن التوجيه النبوي للرفق بالحيوان عن سهل بن الحنظلية الأنصاري - رضي الله عنه - قال: مرّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببعيرٍ قد لَحِقَ ظهرُه ببطنهِ فقال: "اتَّقُوا الله في هذِه البهائمِ المُعْجَمَة، فاركبوها صالحةً، وكُلوها صالحة (3).
والمعجمة، أي التي لا تقدر على النطق فتتكلم وتشكو ما أصابها من جوع أو عطش.
ومن العناية تحريم قتل الجراد إلا للأكل أو لدفع الضر.
وعن أبي زهير النميري مرفوعاً: "لا تقتلوا الجرادَ، فإنه جُندٌ من جنودِ الله الأعظم" (1).
وعن وهب بن كيسان: أنَّ ابن عُمرَ رأى راعي غنمِ في مكانٍ قبيحٍ، وقد رأى ابنُ عمرَ مكانًا أمثلَ منه، فقال ابنُ عمرَ: ويحكَ يا راعي! حوِّلها، فإني سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كُل راعٍ مسؤولٌ عن رعيَّته" (2).
وتأمل كيف يعاتب الله سبحانه نبيًا من الأنبياء عندما انتقم لنفسه بإهلاك جمع النمل، كما في حديث أَبِي هريرة - رضي الله عنه - أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "نَزَلَ نَبِيٌّ من الأنبِيَاءِ تَحتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتهُ نملةٌ، فأمَرَ بِجَهَازِهِ فأخرِجَ من تحتِهَا، ثمَّ أَمَرَ بِبَيتِهَا فأحرِقَ بِالنَّارِ، فأوحَى اللهُ اِلَيهِ فَهَلا نملَةً وَاحِدةً" (3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قرصت نملة نبيًا من الأنبياء؛ فأمر بقرية النمل فأُحرِقَت، فأوحى الله تعالى إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله!؟ " (4).
ومن روائع حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - مع البهائم دفاعه عنهم، ورفع الظلم عنهم كما في الصور التالية:
1 - في غزوة الحديبية حرنت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبت أن تمشي، وكان اسمها القصواء، فقال الناسُ: حَلْ حَلْ (أي يزجرونها لتنبعث وتقوم)، فألحَّت (أي لزمت مكانها ولم تنبعث) فقالوا: خَلأَتِ القَصواء (أي حرنت وبركت من غير علة)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما خَلأَتِ القصواءُ وما ذاك لها بِخُلُقٍ، ولكن حَبَسَها حابسُ الفيل" (وحابس الفيل هو الله -سبحانه وتعالى- حبسه عن دخول مكة، وقصة الفيل مشهورة)، ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألُونني خطةً يعظمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطيُتهم إياها" (1)، وتأمل أدب النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يدفع الظلم عن الناقة ويدافع عنها.
2 - كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة يقال لها العَضْبَاء، وكانت سريعة لا تسبق، وكانت تسبق الحجاج في سفرها، وعندما أغار المشركون على سرح المدينة ذهبوا بها، وَأُسِرَت امرَأَة من الأنْصَارِ وَأُصِيبَت العَضبَاء، فَكَانَت المَرأَةُ فِي الوَثَاقِ، وَكَانَ القَومُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُم بَينَ يَدَي بُيُوتِهم فَانفَلَتَت ذَاتَ لَيلَةٍ من الوَثَاقِ، فَأتَت الإبِلَ فَجَعَلَت إِذَا دَنَت من البَعِيرِ رَغَا فَتَترُكُهُ، حتَّى تَنتَهِيَ إِلَى العَضبَاءِ فَلَم تَرغُ، وَنَاقَةٌ مُنَوقَةٌ (أي مُذَلَّله) فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثمَّ زَجَرَتهَا فَانطَلَقَت، وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأعجَزَتهُم، وَنَذَرَت لِلهِ إِن نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَت المَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ فَقَالُوا: العَضبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَت: إِنهَا نَذَرَت إِن نَجاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنحَرَنَّهَا، فَأتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فقال: "سُبحَانَ اللهِ، بِئسَمَا جَزَتهَا! نَذرَت لِلهِ إِن نَجَّاهَا اللهُ عَلَيهَا لَتَنحَرَنَّهَا، لا وَفاءَ لِنَذرٍ فِي مَعصِيَةٍ، وَلا فِيمَا لا يَملِكُ العَبدُ" (1).
وتأمل أدب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا ينبغي للمؤمن أن يجازي بالإحسان إساءة حتى لو كان حيواناً، وفي هذه القصة فوائد عديدة" (2).











مصادر و المراجع :

١- مَوْسُوعَةُ الأَخْلَاقِ

المؤلف: خالد بن جمعة بن عثمان الخراز

الناشر: مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت

الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید