المنشورات

تقويم النظرية الإثنوميتودولوجي

هناك مجموعة من الانتقادات التي وجهت للتيار الإ ثنومنهجي، منها أنه تيار محافظ لايعنى بالمشاكل الاجتماعية والسياسية العويصة والمعقدة، ولايعطي الحلول لمختلف أنماط الصراع والتوترات التي يعرفها المجتمع. و" يكمن الطابع المحافظ للاتجاه الإثنوميتودولوجي في كونه لايملك تصورا نظريا عن المجتمع، ولارؤية معينة اتجاه العالم الاجتماعي، وهو ما يتماشى مع ماعبر عنه غارفينكل صراحة من أن " البحوث الإثنوميتودولوجية ليست موجهة نحو تصحيحات معينة، كما أنها لاتقدم حلولا لمشكلات اجتماعية، ولا تشغل بالها بمناقشات إنسانية أو جدال نظري، فلاقيمة للنظريات التي تخدم مصالح معينة ولاتعبر عن الواقع (1) "
يضاف، إلى ما سبق قوله، تركيز هذا الاتجاه على دراسة مواقف الحياة اليومية، متجاهلا البناء الاجتماعي والتغيرات التي قد يتعرض لها هذا البناء، ما يعني عزوفه عن دراسة القضايا الأساسية للمجتمع، والمتمثلة في الصراع والتغير الاجتماعي والتحليل التاريخي والاقتصادي للبناء الاجتماعي. وعلى الرغم من اهتمام أصحاب هذا الاتجاه بدراسة التغير الاجتماعي على مستوى الوحدات الصغرى، إلا أننا نجدهم يدعون إلى تغيير الذات بدلا من تغيير البناء الاجتماعي، بدعوى أن أعضاء المجتمع هم الذين يشكلون الواقع أو الحقيقة الاجتماعية، ما يؤكد الطابع المحافظ لهذا الاتجاه." (2)
ويتميز هذا الاتجاه بعدم ثورتيه مقارنة بالمقاربة الصراعية؛ لأنه يبدأ بالوعي الفردي. وهذا يتناقض مع التوجه الماركسي الذي يعطي أهمية كبرى للفئة أو الطبقة الاجتماعية القادرة على تغيير واقعها. في حين، يعنى الاتجاه الإثنومنهجي بأهمية الفرد في بناء مستقبله وواقعه. ومن ثم، فهو حر ومسؤول عن أفعاله. بينما يرى التوجه الماركسي أن الإنسان أو الفرد نتاج للمجتمع. كما ينفصل عن النظريات الكلاسيكية باهتمامه بما هو حياتي يومي، وبسلوك الفرد مقابل الاهتمام ببنية المجتمع التي تتحكم في الأفراد، وتشكل وعيهم وتصرفاتهم. كما اهتم الاتجاه الإثنومنهجي بعناصر النظام العام، واهتمام بالقيم والمعايير الضابطة للسلوك.
إذاً، تبعد هذه النظرية ماهو سياسي واجتماعي، وفي مجال سوسيولوجيا التربية، " تقتصر على دراسة تفاعلات الفاعلين، معتمدة فقط على التحليل المصغر مما يجعلها علم اجتماع بدون مجتمع. والواقع - كما يقول كولون (Coulon) (1) ،  إن الإثنومنهجية لاتنفي وجود البنية الاجتماعية، ولاتحصر دراستها في مستوى تفاعلات الفاعلين المدرسيين، وإنما تركز على عدم دراسة البنية معزولة عن الأنشطة التي تساهم في بناء البنية. إنها تبين كيف أن الوقائع التربوية الموضوعية تنبثق عن الأنشطة. إنها تكشف وتعري الإجراءات التي بواسطتها يخفي المجتمع عن أفراده أنشطة التنظيم، ويقودهم للاعتراف بها كأشياء محددة ومستقلة. إنها فتحت العلبة السوداء للمدرسة، وجعلت الكل يرى كيف تتكون اللامساواة." (2)
وتكمن إيجابيات هذا المنهج في كونه يتعمق في بحوثه بغية استجلاء ماهو خفي ومضمر في الفعل الإنساني، وكشف المعلومات العميقة عبر المشاركة والمعايشة من الصعب الوصول إليها بالطرائق الكمية التقليدية، مع استغلال الوثائق والملاحظة التفهمية في سبر حقائق الظاهرة الواقعية اليومية. وبهذا، يكون هذا المنهج قد استفاد من الظاهراتية، في تناول الإنسان والدفاع عنه في كليته العامة التي تتفاعل فيها الذات مع الموضوع.
وخلاصة القول، يتبين لنا أن الإثنومنهجية أو الإثنوميتودولوجيا نظرية أو مقاربة سوسيولوجية تهتم " بالإجراءات التي تشكل التفكير الاجتماعي العملي. وبناء على هذا التعريف، فهي لاتهتم بدراسة الأسباب أو العوامل المحددة لظاهرة ما، كظاهرة عدم المساواة مثلا، وإنما تهتم بدراسة المعنى الذي ينتجه الفاعلون وهم في وضعية تفاعل. إن هذا الانقلاب الإبستمولوجي يستمد أصوله من علم الاجتماع التفهمي ومن الظاهراتية (1) ".
ومن أهدافها الأساسية كذلك رصد أفعال الإنسان في الحياة اليومية العادية، على أساس أن تكون تلك الأفعال الاجتماعية دائمة ومستمرة ومتكررة، بهدف استجلاء دلالاتها ومعانيها وتأويلها، والبحث عن مختلف الطرائق التي يسلكها الفرد في أداء أفعاله الواعية أو غير الواعية، في تماثل تام مع الواقع أو المجتمع. ومن ثم، تنبني هذه النظرية على الطرائق الكيفية القائمة على المعايشة الإثنوغرافية، وتمثل منهجية الفهم في دراسة الأفعال وتفسيرها وتأويلها.
المبحث الثاني: النظرية الإسلامية
إذا كانت الإثنومنهجية أو الإثنوميتودولوجيا (Ethnométhodologie)  بديلا سوسيولوجيا غربيا، فإن النظرية الإسلامية هي البديل العربي المقترح لتجاوز السوسيولوجيا الغربية. وقد ظهر هذا البديل منذ سنوات السبعين من القرن الماضي، بهدف تأصيل علم الاجتماع تأصيلا حقيقيا، وتأسيسه على أسس إسلامية محضة، بدل الانغماس في التبعية والتقليد والاجترار، والانطلاق من الفلسفات الغربية ذات الأبعاد المادية والتجريبية والوضعية. ويعني هذا أن النظرية الإسلامية ترفض المفهوم الوضعي للعلمية، والتبعية العمياء لعلم الاجتماع الغربي أو لعلم الاجتماع الشرقي (الروسي). وفي الوقت نفسه، تدعو إلى بناء مجتمع عربي إسلامي قوي في ضوء السوسيولوجيا المعيارية، والانطلاق من مبدإ التوحيد نظرية ومنهجية ورؤية وتطبيقا، والاعتماد على القرآن والسنة والفكر الإسلامي والفكر الإنساني في بناء السوسيولوجيا البديلة، ورفض النزعات الذاتية والمادية والتوجهات الوضعية والإيديولوجية، والثورة على الفكرين الإلحادي والإباحي، والتمييز بين الثابت والمتغير في البحث السوسيولوجي، وتجاوز التفسير الأحادي نحو النظرة الشمولية الكلية في فهم المجتمع وتفسيره وتأويله.
إذاً، ما النظرية الإسلامية في مجال السوسيولوجيا؟ وما سياقها التاريخي؟ وما أهم مرتكزاتها النظرية والمنهجية والتطبيقية؟ ومن هم روادها وممثلوها؟ وما أهم الانتقادات الموجهة إلى هذه النظرية؟











مصادر و المراجع :

١- نظريات علم الاجتماع

المؤلف: د. جميل حمداوي

الطبعة: الأولى 2015 م

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید