المنشورات

التصور النظري والمنهجي للنظرية الإسلامية

تنبني النظرية الإسلامية، في علم الاجتماع، على رفض التصورات السوسيولوجية الوضعية والماركسية من جهة، ورفض دراسة واقع المجتمع العربي في ضوء النزعات العربية والقومية والفئوية والطائفية والحزبية والإيدولوجية والإثنية. ومن ثم، تهدف هذه النظرية إلى دراسة الظواهر الاجتماعية في منظور المنهج الإسلامي موضوعا، ومنهجا، ورؤية، ومقصدية. وبالتالي، التركيز على المنظومة الأخلاقية الإسلامية، وتمثل المعايير الدينية في الوصف والتشخيص والوصف والتقويم، وتبني العقيدة الإسلامية في علاج المشاكل الواقعية، ومحاربة الإلحاد والنزعات المادية والإباحية، والاهتمام بدراسة التراث الاجتماعي، والاستفادة من النظريات الاجتماعية الثاقبة عند علمائنا المسلمين، أمثال: الكندي، والفارابي، وابن سينا، والغزالي، وابن مسكويه، وابن خلدون، والجاحظ، وغيرهم. علاوة على تمثل الفكر الخلدوني في دراسة الوقائع والظواهر الاجتماعية بغية تأصيل علم الاجتماع وتأسيسه، قصد الانتقال من التقليد والتبعية والاجترار إلى الإبداع والتجديد والابتكار، وإعادة الثقة في الذات المسلمة. ومن ثم، التمسك الاجتماعي بالهوية والأصالة والخصوصية، وقراءة التراث الاجتماعي العربي القديم في ضوء رؤية إسلامية عميقة، واستحضار العقل المسلم في التحليل والوصف والتشخيص والعلاج. ولا ننسى أيضا ضرورة قراءة المجتمع الإسلامي المعاصر في ضوء المنظور الإسلامي الرباني، والاسترشاد بالأساس العقائدي لإصلاح ما اعوج من هذا الواقع، باقتراح وصفات علاجية تتلاءم مع الرؤية الإسلامية المعتدلة والمتكاملة والمتوازنة؛ وتمثل الوحي (قرآنا وسنة) مصدرا للمعرفة الاجتماعية، واستخدامه آلية للتوثيق السوسيولوجي. ويعني هذا أنه من الضروري أن يتسلح الباحث بالوحي في دراسة النظم الاجتماعية، ورصد قضايا الإنسان، وصياغة القوانين الاجتماعية. أضف إلى ذلك ضرورة التشبث بالمذهبية الإسلامية القائمة على التوحيد في فهم الواقع وتفسيره وتأويله. أي: يعتبر التوحيد أساسا نظريا ومنهجيا ومذهبا بديلا في دراسة الظواهر والوقائع، ورصد مستوى البناء والتقدم والتغير الحضاري.
كما يشدد المنظور الإسلامي على ضرورة التحرر من النزعات والأهواء الذاتية، والتخلص من التوجهات الإيديولوجية، والابتعاد عن التحيز، وضرورة التمييز بين الالتزام العلمي والالتزام الإيديولوجي، ومقاربة الوقائع المجتمعية في ضوء الالتزام الإسلامي، وتبني النظرية المعيارية الأخلاقية والقيمية في تقويم الظواهر الاجتماعية، والتخلص من النزاعات العنصرية والعرقية والشوفينية، وتحديد الثابت والمتغير في المعتقدات والأخلاق والتشريع والاجتماع، وضرورة تجاوز التفسير الأحادي، والتزام النظرة الشمولية في تحليل قضايا الإنسان والمجتمع فهما وتفسيرا وتأويلا.
ومن هنا، يتميز المنهج الإسلامي، عن المنهج الوضعي بالخصوص، بدراسة الوقائع المجتمعية المدركة بالملاحظة، ودراسة المواضيع الغيبية كذلك، اعتمادا على وسائل منهجية متنوعة هي: الوحي، والعقل والتجربة. كما يحتكم هذا المنهج إلى المعايير الأخلاقية، واستحضار العقيدة والتوحيد، ونبذ الإلحاد والمغالاة في النزعات المادية.
ولايتوقف المنهج الإسلامي عند وصف الظاهرة المجتمعية فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى التقويم والتوجيه والإصلاح في ضوء رؤية ربانية، وإعادة الاعتبار للمنهج الأصولي في المجال العقدي والتشريعي والاجتماعي. ومن هنا، فالمنهج الإسلامي" رؤية شاملة ونظرة متكاملة يعبر عن منظومة فكرية متميزة عن كل التصورات الوضعية بكل ماتطرحه من مفاهيم نسبية. ومن هذا المنطلق تحدد علاقة علم الاجتماع الإسلامي بعلم الاجتماع العام. فهذه العلاقة ليست كما تصورها بعض الباحثين علاقة تداخل، فعلم الاجتماع الإسلامي ليس مجرد فرع إلى جانب بقية الفروع، بل هو بناء مستقل يقوم في مقابل بقية المذاهب والنظريات، يتخذ من المذهبية الإسلامية إطارا تفسر في ضوئه كل الجزئيات، وتنتظم فيه كل الفروع." (1)
وعليه، فالنظرية الإسلامية في السوسيولوجيا بديل منهجي وفكري ورؤيوي مهم، يحتاج إلى تعميق النقاش الجاد حوله تصورا وطريقة ورؤية، بتنظيم ندوات في هذا المجال للبحث في الطرائق المنهجية التي يمكن استعمالها في البحث والدراسة والوصف والفهم والتفسير والتأويل والتقويم. وهنا، يمكن الاستفادة من المنهج الخلدوني في دراسة علم الاجتماع وتطويره. كما يمكن الاستفادة من الآليات المنهجية التي يستعين بها علم الاجتماع العام، بشرط ألا تتنافى مع التوجه الإسلامي.









مصادر و المراجع :

١- نظريات علم الاجتماع

المؤلف: د. جميل حمداوي

الطبعة: الأولى 2015 م

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید