المنشورات
العناية
اصطلاحا: هى تأثير الله تعالى فى العالم وتوجيهه نحو غايات معينة بإرادته، وحفظه لنظامه، وإحاطة علمه بالوجود على نحو يكون به على أحسن نظام وأكمله.
يقول ابن سينا: "العناية هى كون الأول عالما بما عليه الوجود من نظام الخير، وعلة لذاته للخير والكمال بحسب الإمكان، وراضيا به على النحو المذكور، فيعقل نظام الخير على الوجه الأبلغ فى الإمكان، فيفيض على أتم تأدية إلى النظام بحسب الإمكان " (1).
وإحاطة علم الله بالكل، وإرادته لما يجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون كل شيء على أحسن نظام يحقق به غايته ويخضع لنظام ثابت له قوانينه التى أرادها الله لخيرية نتائجها، تسمى عناية عامة. وتوفيق الله للعبد فى أفعاله يسمى عناية خاصة.
قال ابن سينا: "العناية هى إحاطة علم الأول بالكل، وبالواجب أن يكون عليه الكل، حتى يكون أحسن نظام " (2).
والعناية هى القضاء عند الحكماء (3) وهناك فرق بين العناية والقضاء والقدر، فقضاء الله تعالى عند متكلمى الأشاعرة مثلا هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هى عليه فيما لا يزال، وقدرة إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين معتبر فى ذواتها وأحوالها.
والقضاء عند الفلاسفة عبارة عن علمه تعالى- بما ينبغى أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام، وهو المسمى عندهم بالعناية الأزلية التى هى مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها، والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العينى بأسبابها، على الوجه الذى تقرر فى القضاء. وقيل: إن القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات فى العالم العقلى مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع، والقدر عبارة عن وجودها الخارجى فى الأعيان مفصلة واحدا بعد واحد.
أما العناية فهى علم الله تعالى بالموجودات على أحسن النظام والترتيب، وعلى ما يجب أن يكون لكل موجود من الآلات بحيث تترتب عليها جميع الكمالات المطلوبة التى تخصه.
وهذا يعنى أن فى مفهوم العناية تفصيلا، إذ العناية تعلق العلم بالوجه الأصلح والنظام الأكمل الأليق، بخلاف القضاء فإنه العلم بوجود الموجودات جملة (4).
والعناية من أهم الأدلة على وجود الله تعالى وتفرده بالوحدانية، فوجود الكون والعالم الذى نعيش فيه على الوضع الذى هو فيه ملائم لوجود الإنسان والحيوان والنبات، مما يبرهن على أن عناية الله تحيط بمخلوقاته.
فالنظر فى طبيعة الكون الذى نعيش فيه، وما يحتوى عليه من مظاهر وظواهر يرشدنا إلى أن وجود كثير من الكائنات والموجودات كأنما قصد به الإنسان، وذلك لأن هذه الكائنات والموجودات توافق حياته وطبيعته وتلائمها. وليس يمكن أن تكون هذه الملاءمة وليدة المصادفة.
والحق أن العلم الحديث قد أثبت أن هذا الخلق المحكم الذى يحقق غايات محددة لا يمكن أن يصدر إلا عن علم وتدبير وحكمة، فإن وجود الليل والنهار والشمس والقمر والفصول الأربعة والحيوان والنبات والأمطار، كل أولئك يوافق حياة الإنسان، وكأنما خلق من أجله، كما يشهد بذلك الحس، ثم إن الحكمة والعناية تتجليان فى تركيب جسم الإنسان بل فى جسم الحيوان، كما يجزم كثير من العلماء فى العصر الحديث أن هناك عناية بما فى هذا العالم، وأن هذه العناية لا يمكن أن تنسب إلى الاتفاق والمصادفة، يقول ابن رشد: "الطريق التى نبه الكتاب العزيز عليها .. طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، ولنسمِّ هذا دليل العناية .. إن جميع الموجودات التى ههنا موافقة لوجود الإنسان من قِبَل فاعل قاصد لذلك مريد، إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق ... ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات " (5).
وما يقرره العقل هنا هو نفس ما يقرره القرآن الكريم وتؤيده آياته من مثل قوله تعالى {ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا، وبنينا فوقكم سبعا شدادا، وجعلنا سراجا وهاجا، وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا، لنخرج به حبا ونباتا، وجنات ألفافا} (النبأ 16:6) ومثل قوله سبحانه {تبارك الذى جعل فى السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا} (الفرقان 61). ومثل قوله جل شأنه {فلينظر الإنسان إلى طعام} (عبس 24)، وغير هذا كثير فى القرآن الكريم.
أ. د./ محفوظ عزام
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
29 أبريل 2024
تعليقات (0)