المنشورات

الفضيلة

لغة: الدرجة الرفيعة فى الفضل، والفضل ضد النقص، والفضيلة صفة يوصف بها السلوك الخيّر، وهى آتية بمعنى الزيادة فى الخير أو الإحسان، وكانت تعنى قديما أن فضيلة الشىء هى قوته التى يكون بها امتيازه أو كماله الخاص، كما يقال فضيلة السيف: إحكامه القطع.

وهذا معنى قديم يربط بين فضيلة الشىء وخاصيته.

واصطلاحاً: استعداد ثابت لممارسة الخير، أو أنها استعداد خاص للقيام بواجب معين أو عمل صالح معين.

وتستخدم الفضيلة فى المجال الأخلاقى إذا قصد بها صفات الكمال، وتعنى عادة فعل الخير، وتدخل ضمن موضوعات علم الأخلاق، والفاضل من غلبت فضائله رذائله، والخلق ينقسم إلى فضيلة هى مبدأ لما هو كمال، ورذيلة هى مبدأ لما هو نقصان، وقد يطلق على الفضيلة اسم القيمة الإيجابية، وعلى الرذيلة اسم القيمة السلبية، والقيمة بوجه عام تتجه نحو تحقيقها حسب قواعد معينة دقيقة، ومن هنا قيل إن علم الأخلاق من العلوم المعيارية.

وعلامة الفضيلة عند العرب، شأنها شأن كل فكر أخلاقى آخر، هى استحقاق المدح، مثلما نستدل على الرذيلة بما تثيره من لوم وذم. فالمدح فى الحقيقة هو وصف الموصوف بأخلاق يحمد صاحبها عليها، ويكون نعتا حميداً. وقد امتدح العرب فضائل الجود والسخاء والكرم والإيثار، وذمّوا الرذائل التى تقابلها.

وقد ذكر العرب الفضائل فى الآداب والأمثال والحكم والخواطر والتاريخ الثقافى والاجتماعى على وجه العموم، وفى الفكر الفلسفى والدينى على وجه الخصوص، ومن أشهر المؤلفات التى وضعت لشرح الفضيلة كتاب "سلوك الملوك فى تدبير الممالك "لأحمد بن محمد بن الربيع، وضعه للخليفة المعتصم العباسى، تناول فيه فضائل الإنسان الرئيس الذى يشغل أكمل المراتب الإنسانية. وكتاب "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق " لمسكويه" أوضح فيه الحرص الطبيعى للإنسان على الخيرات طلبا للسعادة بمختلّف أنواعها، وكتاب "ميزان العمل" للغزالى، الذى يصف فيه الفضائل الأخلاقية، وكتاب "أدب الدنيا، والدين للماوردى" وغيرها.

والتخلق والتشبه بالأفاضل ضربان: ضرب محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتدريب، يتحراه صاحبه سرا وجهرا على الوجه الذى ينبغى، وبالمقدار الذى ينبغى، وضرب مذموم، وهو ما يفعله على سبيل الرياء، لا يستهدف صاحبه من ورائه إلا التصنع والرياء فقط.

وقد تتشابه الفضائل مع السجايا والشيم، إلا أن بعض علماء الطب زعموا أن السجايا تابعة لمزاج البدن، فزعموا أن الغضب يكثر بكثرة المرة الصفراء، ويضعف بقلَّتها، وتكثر الحرارة والشجاعة مع وفور الدم وتقل لقلته، وإذا اعتدل مزاج الإنسان اعتدلت أخلاقه، فكانت فضائل، إذا تجاوزت الاعتدال إلى زيادة أو نقصان خرجت عن الفضائل إلى الرذائل.

والفضائل توسط محمود بين رذيلتين مذمومتين، من نقصان فيكون تقصيراً، أو زيادة تكون إسرافاً، فيكون فساد كل فضيلة من طرفيها، فالعقل واسطة بين الدهاء والغباء، والسخاء واسطة بين التقتير والتبذير، والشجاعة واسطة بين الجبن والتهور، والحياء واسطة بين الخلاعة والحصر، والسكينة واسطة بين السخط وضعف الغضب، والحلم واسطة بين إفراط الغضب ومهانة النفس، والعفة واسطة بين الشَّرَه وضعف الشهوة، والتواضع واسطة بين الكبر ودناءة النفس.

ومن هنا ارتبطت الفضيلة بالعدل، لأن العدل نتيجة الفضائل، وهى مقدرة به، وفضيلة الشىء هو اعتداله، ومتى كانت النفس معتدلة كان شوقها نحو تحصيل الفضائل. وسعادة النفس فى كمالها، وتكميلها يكون باكتساب الفضائل كلها وهى وإن كانت كثيرة إلا أنها تجمعها فضائل أساسية. وهناك من رأى أن الفضائل نوعان: مكتسب وفطرى.

الأول: يحتاج إلى زمان وتدرب، وممارسة ويتقوى فيه الإنسان درجة درجة، ويختلف البشر حسب قدرتهم على الأكتساب بحسب اختلاف الطبائع والذكاء والبلادة.

والثانى: فطرى يحصل بفضل إلهى كأن يولد إنسان فيصير من غير تعليم البشر فاضلاً، مثل الأنبياء الذين حصلت لهم المعارف من غير ممارسة أو اكتساب. والفضيلة المكتسبة تأتى بالتدرب والتعود، أما من كان فاضلاً بالفطرة فهو كامل الفضيلة. والعلم ضرورى لاكتساب الفضائل حتى يعلم الإنسان حسنها ويفعلها، ويعلم قبح الرذائل ويجتنبها.

وبعد معرفة أصول الفضائل وحقيقتها وجزاء العمل بها، لابد أن يتعّود الإنسان على فعلها، وتكرار الفعل، حتى تصير هذه الأفعال عادة تصدر عنه بلا روية وتفكير، أى تصير ملكة تصدر عن الإنسان دون تكلف. هنا يسمى المتمتع بها إنساناً فاضلاً لأنه فعل الفضيلة بما يقارب الفطرة. وهناك من رأى أن المقصود بالفضيلة هى الفضيلة الجسمية، وأن يكون المرء صحيح البدن، إلا أن البدن بمثابة الآلة للصانع، والسفينة للربَّان؛ لا تصلح بغير فضائل النفس.

أ. د/ منى أبو زيد










مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید