المنشورات
المصالح المرسلة
لغة: المصالح: جمع مصلحة، وهى المنفعة، والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، فالمراد بها لغة: جلب المنفعة، ودفع المضرة، والمرسلة: أى المطلقة (1).
واصطلاحا: عبارة عن المصلحة التى قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم، ونفوسهم، وعقولهم، ونسلهم، وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها (2).
فهذا التعريف صرح بأن المصلحة: هى جلب منفعة مقصودة للشارع الحكيم، وإن كان لم يصرح بأن دفع الضرر من المصلحة أيضا، إلا أن تعريفه ينوه به ويلزم منه (3).
وقد عرفها الآمدى فقال: هى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا إلغاء (4). ولذلك سميت مرسلة.
وتنقسم المصالح من حيث مقصودالشارع إلى ثلاث (5):
1 - ضرورية: وهى التى ترجع إلى حفظ النفس، والعقل، والما ل، والدين، والعرض، والنسب، وإذا اختل منها أمر اختلت المعايش به، وعمت الفوضى.
2 - حاجية: وهى الأمور التى تقتضيها سهولة الحياة، أوما أدى إلى حرج كبيرمن غير خوف على فوات ما سبق من المصالح الستة.
3 - تحسينية: وهى الأمورالتى تجعل الحياة فى جمال، ومرجعها إلى تهذيب الأخلاق وتحسين الصورة والمعاملات.
وتنقسم المصالح من حيت اعتبار الشارع لها أو عدمه - أيضا - إلى ثلاث:
1 - المصالح المعتبرة شرعا: كما سبق فى المصالح الست الكلية.
2 - المصالح الملغاة شرعا: كمصلحة آكل الربا فى زيادة ماله، ومصلحة المريض أو من ضاقت معيشته فى الانتحار ونحوها.
3 - المصالح المرسلة: وهى المقصودة فى هذا البحث، وهى مصلحة لم يشهد الشرع لها باعتبار ولا بإلغاء.
ومما ذكره الأصوليون كمثال للمصالح المرسلة: جمع القرآن فى مصحف واحد، والقول بقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع، وضمان الرهن، واتخاذ السجون، وغيرها من المسائل التى لا يوجد فيها نص ولا إجماع.
وهى محلها لا تصلح مثالا للمصلحة المرسلة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يترك مصلحة إلا وقد نص عليها جنسا كالكليات الست، أو على أنواعها أيضا، ومصالح هذه المسائل المذكورة وغيرها مشروعة جنسا، وليس شىء منها مرسلا.
فجمع القرآن فى مصحف واحد لمصلحة حفظ الدين وهى مشروعة، وقتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس وهى مشروعة، وتضمين الصناع لمصلحة حفظ الأموال وهى مشروعة، وكذا ضمان الرهن، والأمثلة الباقية كلها تندرج تحت المصالح المعتبرة شرعا ضرورة أو حاجة أو تحسينا كما سبق، ولايتصور خروج شىء منها أصلا (6).
ولكن يمكن أن نمثل للمصلحة المرسلة، وهى التى لم يشهد الشرع لها بالاعتبار أو بالإلغاء بجواز الضرب فى التهمة، فقد جوز هذا جماعة من الفقهاء، وهى مصلحة مرسلة عن الدليل الجزئى من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكذا مرسلة عن الأصل الكلى، فنصوص الشريعة على إجمالها لا تجوز هتك حرمة المسلم، بأن تمتهن كرامته ويضرب لمجرد اتهامه فى حادث من الحوادث.
فالمقصود بالمصالح المرسلة هى التى أرسلت عن الدليل الجزئى من الأصول الشرعية المتفق عليها، ومن الدليل الكلى الذى يؤول بدوره إلى مفهوم النص والإجماع، وعموما فقد اشترط الأصوليون شروطا للمصلحة حتى تقبل ويعمل بها، ومن هذه الشروط (7):
1 - أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشارع بحيث لا تنافى أصلا من أصوله ولا تعارض نصا أو دليلا من أدلته القطعية.
2 - أن تكون معقولة، فى ذاتها، جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة التى يتقبلها العاقل، بحيث يكون ترتب الحكم عليها مقطوعا لا مظنونا، ولا متوهما.
3 - أن تكون تلك المصلحة عامة للناس، وليس اعتبارها لمصلحة فردية أو طائفية معينة، لأن أحكام الشريعة للتطبيق على الناس جميعا.
ومن نافلة القول أن أذكر بأن هذه المسألة - المصالح المرسلة - من الأدلة الشرعية المختلف فيها، فقد قال بها جماعة من الأصوليين كالمالكية وغيرهم، ومنعها جماعة آخرون كالشافمية ومن لف لفهم.
أ. د/على جمعة محمد
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
29 أبريل 2024
تعليقات (0)