المنشورات

المقولات العشر

إن كلمة "مقولة"  Category ،  اشتقت من مصدر "القول" وهي ترجمة للكلمة اليونانية "كاتيجوريا"  Catigorie،  ومعناها "العلاقة"، ويقرب من هذا أيضا لفظ "كلى".
وقد دخلت هذه الكلمة بلفظها تقريبا، فى جميع اللغات، حتى لدى مفكرى الإسلام التى جاءت عندهم بلفظ "قاطيغورياس"، غير أن هؤلاء أيضا سموها "مقولة".
وكان أرسطو (384 - 322 ق. م) هو الذى درس أهم مظاهر المعرفة فى عصره، فوجدها تقوم على عشرة أسس، ينبنى عليها الفكر المستقيم في اتجاهه نحوالتعميم. وقد جمعها أرسطو وشرحها وسماها "المقولات".
وقد تناولها المفكرون من بعده بالعرض والشرح دون أن يملوا منها. كما جعلها مفكروالإسلام أصلا هاما من أصول المنطق الصورى، ولاسيما ما تعلق منها بالجوهر والعرض، لصلتهما الوثيقة بمباحث التوحيد (2).
واصطلاحا المقولة: هى معنى كلى، يمكن أن تكون محمولا فى قضية ما.
وعليه فالمقولات محمولات، كما حددها أرسطو من قبل، وهى عشر، جمعها بعضهم فى بيت واحد هو:
قمر غزير الحسن ألطف مصره * لو قام يكشف غمتى لما انثنى (3).
1 - القمر: للجوهر.
2 - الغزير: للكم.
3 - الحسن: للكيف.
4 - ألطف: للإضافة.
5 - مصره: للأين.
6 - قام: للوضع.
7 - يكشف: للفعل.
8 - غمتى: للملك.
9 - لما: للمتى.
10 - انثنى: للانفعال.
وهذه المحمولات موجودة فى الكون (4).
ويلاحظ أن المقولات هى أنواع الصفات أو المحمولات التى نستطيع أن نصف بها فردا معينا كائنا ما كان. فإذا سألت عن أى شىء: ما هو؟ كان حتما أن يقع الجواب تحت واحد منها (5).
ومنها أربع مقولات تقع فيها الحركات وهى: الكم مثل النمو، والكيف مثل السرعة، والوضع مثل حركة الفلك علي نفسه دون انتقال، والأين مثل النقلة (6)
وإليك التعريف بكل منها باختصار:
أولا: الجوهر:  Substance.
هو كل ما له صفة الاستقلال بذاته مثل العناصر (7) كالماء والهواء والنار. وهذا الجوهر هو الأصل، وما عداه من المقولات التسع أعراض له (8) يقول ابن سينا:
وكل نعت فهو إما جوهر * قوامه بنفسه مقرر (9).
والجوهر أيضا موجود لا فى موضوع، يقابله العرض:  accident  بمعنى الموجود فى موضوع، أى فى محل مقوم لما حل فيه (10).
والجوهر لدى المتكلمين: هو الجوهر الفرد المتميز الذى لا ينقسم، أما المنقسم فيسمونه جسما لا جوهرا. ولهذا السبب يمتنعون عن إطلاق اسم الجوهر على المبدأ الأول (11).
ومن أهم أحكام الجوهر:
1 - أنه قابل للعرض.
2 - أنه متحيز، أى تأخذ ذاته قدرا من الفراغ.
3 - أنه قابل للبقاء زمانين.
4 - أن الجواهر لا تتداخل، أى لا يدخل جسم فى آخر.
5 - أن الجواهر تحدث بجملتها عن عدم سابق.
6 - أنها تنعدم كذلك، خلافا للطبائعيين، كما يصح انعدام بعضها، خلافا لبعض المعتزلة فى أن الجوهر لا ينعدم إلا جملة.
7 - وأنها لا تثبت فى العدم، لأن المعدوم ليس شيئا، خلافا لبعض المعتزلة (12).
ثانيا: الكم:  Quantity.
هو العرض الذى يقبل لذاته: المساواة والتفاوت والتجزؤ (13) ويخرج بذلك: النقطة، والواحدة، أى الشىء الواحد الذى لا تعدد فيه.
فهذه المقولة تخضع للقسمه، وللقياس فيما له حجم ومقدار كقولنا: هذه خمسة كتب. وينقسم الكم إلى:
1 - متصل: وهو الذى يكون بين أجزائه حد مشترك، كالحال في الزمن بين الماضى والمستقبل.
2 - منفصل: وهوالذى لايكون بين أجزائه حد مشترك كالعدد، مثل الأربعة إذا قسمت بين اثنين واثنين (14).
وهناك مايسمى"كمية القضية": والمقصود بها استغراق الموضوع فى المحمول، وينتج عن ذلك:
(أ) القضية الكلية: وهى التى يقع الحكم فيها على جميع أفراد الموضوع، مثل: كل إنسان فان.
(ب) القضية الجزئية: وهى التى يقع الحكم فيها على بعض أفراد الموضوع مثل: بعض الإنسان كريم.
(ج) القضية المخصوصة: وهى التى يكون الموضوع فيها واحدا بالعدد، مثل: عمر عادل (15).
ثالثا. الكيف:  Quality.
هو هيئة قارة فى الشىء (16) وهو أيضا عرض لا يتوقف تعقله على تعقل الغير (17) ولا يقتضى القسمة في محله اقتضاء أوليا (18).
وللكيف أنواع:
1 - كيف الكم: كالزوجية والفردية، والاستقامة والانحناء، والطول والعرض.
2 - كيف المحسوس: (أ) إما راسخ كحلاوة العسل وحرارة النار (ب) أو غير راسخ:
- سريع الزوال، يسمى انفعاليا كحمرة الخجل، وصفرة الوجل.
- بطء الزوال، كملوحة بعض الماء.
3 - كيف الملكة: وهو نوعان الأول ما يوجب الكمال وهو الناتج عن الاقتدار بلا كلفة، مثل ملكة العلم والكتابة.
والآخر ما لا يوجب الكمال: كاللين المعد أو الموجب للانقسام بسهولة (19).
رابعا: الإضافة:  Relation
لغة: نسبة الشىء إلى الشىء مطلقا.
اصطلاحا: هى حال تعرض للجوهر، بسبب كون غيره فى مقابلته (20)، ولا يعقل وجودها إلا بالقياس إلى ذلك الغير، كالأبوة بين الأب وابنه (21) وتسمى مقولة الإضافة "بالنسبة المتكررة"، أى النسبة التى حصل بها التكرر، ولا تعقل إلا بالقياس إليها.
وقد تكون الإضافة بين:
1 - متفقين: كالأخوة، وهى لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى الأخوة.
2 - أو بين مختلفين: كالأبوة، وهى لا تعقل إلا بأخرى وهى البنوة. وكالعمومة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى ولدية الأخ.
وكالزيادة، لا تعقل إلا بنسبة أخرى، وهى النقص فكل إضافة نسبة، ولا عكس.
ويلاحظ أن النسبة مطلقا: أمر اعتبارى، ليس عرضا موجودا. كذلك فإن الكليات هى من مقولة الإضافة فالجيش مثلا، كالحيوان، نسبة لا تعقل إلا بأخرى، وهو النوع كالإنسان.
وقد تعرض الإضافة للمقولات كلها:
كالأبوة والبنوة، للجوهر. وكالصغر والكبر للكم. وكالعلو والسفل للأين. والأقدمية والأحدثية، للمتى. وكالأسدية: انحناء وانتصابا، للوضع - أسد الشىء: أغلق خلله.
وكالأكسوية والأعروية، للملك. وكالأقطعية، للفعل (أى تأثير الشىء فى غيره). وكالأشدية تقطعا، للانفعال (أى كون الشىء متأثرا عن غيره مادام متأثرا) (22).
خامسا: الأين:  Place
هو هيئة تعرض للجسم بسبب نسبته إلى المكان وكونه فيه (23) وهو سؤال عن مكان (24). ويسمى "أينا" لوقوعه جوابا لأين؟ كما يسمى "الكون" أيضا (25).
والأين نوعان:
1 - أين أول: مثل كون الماء فى الكوب وهو حقيقى.
2 - أين ثان: مثل كون محمد فى البيت وهو غير حقيقى.
سادسا: المتى:  Time
هو نسبة الشىء إلى الزمان المحدد: الماضى والحاضر والمستقبل، مثل: أمس الآن وغدا (27).
وسمى بذلك، لوقوعه جوابا ل "متى"؟.
ولفظة "متى" تصلح لمطلق الزمان، بخلاف "أيان" فإنها خاصة بالاستقبال.
وينقسم إلى:
1 - متى حقيقى: وهوكون الشىء في زمان يطابقه، ولا يزيد عليه، كالخسوف فى ساعة كذا.
2 - متى مجازى: كالخسوف يوم كذا.
وهما فى الأين أيضا (28).
سابعا: الوضع:  Position
هو هيئة تعرض للجسم، بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض، مثل: القيام، والقعود، وغير ذلك (29) مثل وصف شخص ما بأنه جالس أو قائم.
ويلاحظ هنا حدوث نسبتين:
الأولى: نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض، والأخرى: نسبة أجزاء الجسم إلى أمر خارجى عنها.
فالقيام هيئة اعتبر فيها نسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض بالطبع. كما اعتبر منها نسبة مجموع تلك الأجزاء إلى أمور خارجية عنها. ككون رأس الإنسان من فوق ورجليه من أسفل (30).
ثامنا: الملك:  Habitus
وهو هيئة حاصلة للشىء بالنسبة لما يحيط به، وينتقل بانتقاله. وذلك كالتعمم والتقمص والتختم والتسلح. والمراد لبس العمامة والقميص والخاتم والسلاح (31).
والملك يقابله الحرمان (32).
ولمقولة الملك شرطان:
الأول: الإحاطة، إما بالطبع، كجلد الإنسان وإما بغيره: إما بكل شىء، كحال الهرة عند إرهابها، وهو ذاتى. أو ببعض الشىء كحال الإنسان عند تختمه، وحال الفرس عند إلجامها وإسراجها، وهو عرضى.
والثانى: أن ينتقل بانتقاله، كالأمثلة السابقة.
أما إن وجد أحدهما دون الآخر، فلا يكون ملكا، فوضع القميص على رأسه، وإن كان ينتقل، لا يكون ملكا: لعدم الإحاطة.
والحلول فى الخيمة، وإن كان مشتملا على الإحاطة، لا يكون كذلك، لعدم الانتقال (33).
تاسعا: الفعل:  Activity
هو كون الشىء بحيث يؤثر فى غيره تأثيرا غير قار الذات، مثل التسخين والقطع (34).
فالتسخين فعل، لكونه تأثيرا من المسخن، مادام مؤثرا (35).
عاشرا: الانفعال:  Passivity
هو قبول أثر المؤثر مادام مؤثرا، مثل التسخين والانقطاع (36).
فتأثر الشمع ولينه، انفعال، مادام هو يتأثر للطابع ويلين (37).
وهناك ما يسمى سلسلة المحمولات وهى تابعة للمقولات العشر، وهى الكليات الخمس، التى رتبها المناطقة كما يلى:
1 - الجنس:  Genus
وهو ما صدق على كثيرين مختلفين بالحقائق، فى جواب: ما هو؟ مثل الحيوان فى: الإنسان حيوان (38).
2 - النوع:  Species
وهو ما صدق على كثيرين متفقين بالحقائق. كلفظ إنسان فى: محمد إنسان (39).
وكل واحد من الجنس والنوع إنما يكون مفهوما بالقياس إلى صاحبه (40)
3 - الفصل:  Difference
هو جزء الماهية، الصادق عليها مثل: الناطق، باعتبار ماهية الإنسان (41).
4 - الخاصة:  Property
هى الكلى المقول على أفراد حقيقة واحدة، مثل: الضاحك للإنسان (42).
5 - العرض العام:  Accident
هو الكلى الخارج عن الماهية، الصادق عليها وعلى غيرها، مثل المتحرك للإنسان (43).
هذا، ومن الجدير بالذكر، أن المقولات العشر وما يتبعها من الكليات الخمس، قد أدت خدمات كبيرة جدا فى تطوير الفكر، خلال عشرين قرنا على الأقل. ومازالت أهميتها ماثلة فى المنطق الصورى وفى البحث العلمى، من ناحية التجريد أو التعميم العلمى (44).
ومع هذ الا يجب النظر إلى مقولات أرسطو على أنها شىء مثالى، مثل كل منطقه الصورى (45) بل لابد من عمل حساب طبيعتها الأدائية عبر العصور (46) كما يجب النظر فيها بالإضافة والحذف والتطوير، حتى لا تكون عائقا أمام التقدم والرقى.
أ. د/عبد اللطيف محمد العبد











مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید