المنشورات

إنّ الجواد عينه فرارة.

الجواد: العتيق من الخيل الكثير الجري، سمي به لأنّه يجود بنفسه. والعين تطلق على الباصرة، وعلى الشخص الشيء وهو المراد هنا؛ والفرارة: أن تفتح فإذا الدابة لتعلم سنها. يقال: فرها فرا وفرارا، مثلث الفاء، إذا فتح فاها لذلك. ومن قول الحجاج: ولقد فررت عن الذكاء، وفتشت عن تجربة، أي فررت فوجدت تام السن. فإن الذكاء يطل على السن، وهو أحد ما يفسر به قول زهير:
يفضله إذا اجتهدا عليها ... تمام السن منه والذكاء
ومنه المثل الآتي: جري المذكيات غلاب. وإلى هذا المعنى أشار أبو بكر بن دريد رحمه الله بقوله:
وفر عن تجربة نابي فقل ... في بازل راض الخطوب فامتطي
وكتب الحسن بن سهل إلى القاضي محمد بن سماعة: أما بعد فأني احتجت لبعض أموري إلى رجل جامع لخصال الخير، ذي عفة ونزاهة طعمة، قد هذبته الآداب وأحكمته التجارب، ليس بظنيت برأيه ولا بمطعون في حسبه؛ إن أؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلد مهما من الأمور أجزأ فيه؛ له سن مع أدب ولسان، تعقده الرزانة ويسكنه الحلم، قد فرعن ذكاء وفطنة، وعض على قارحة من الكمال، تكفيه اللحظة، وترشده السكتة؛ قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام بأمورهم فحمد فيها؛ له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه، وحسن بيانه. دلائل الفضل عليه لاحئة، وأمارة العلم له شاهدة؛ مضطلعا بها أستنهض، مستقلا بما حمل.
وقد أثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده، ثقة بفضل اختيارك، ومعرفة بحسن تأتيك. فكتب إليه القاضي: إني عازم أن أرغب إلى الله عز وجل حولا كاملا في ارتياد مثل هذه الصفة وأفراس الرسل الثقات في الآفاق لالتماسه. وأرجو أن يمن الله بالإجابة فأفوز لديك بقضاء حاجتك، والسلام. ويصح أن يراد بالذكاء أيضا في كل ما مر معناه الذي هو الفطنة وحدة الفوائد. وعلى كل حال فذلك مثل للكشف والاختبار، وأصله في الدواب.
ومعنى المثل المذكور أن الجواد إذا نظر إليه العارف المعرب عرفه من غير احتياج إلى فره واختباره، وكان نظره إلى عينه، أي شخصه، فرارا له، أي قائما مقام الفرار، فيقال: فلان عينه فرار لهذا المعنى.
ويضرب لكل من يدل ظاهره على باطنه لكل معانيه. قال الشاعر:
تعرف من عينيه نجابته ... كأنه بالذكاء مكتحل
وقال الراجز في صفة الذئب:
أطلس يخفي شخصه غباره ... في فمه شفرته وناره
هو الخبيث عينه فراره











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید