المنشورات

إنَّ السقط يحرق الحرجة.

السقط ما يسقط بين الزندين قبل استحكام الورى، وتثلث سيبه والإحراق والتحريق معروف. والحرجة بفتحتين: الشجر الكثير الملتف، جمعه حرج وأحراج وحراج. قال العجاج:
عاين حيا كالحراج نعمه ... يكن أقصى شله محرنجمه
وهذا المثل وقع في حكاية للأصمعي قال: بينما أنا بحمى ضربة إذ وقف عليَّ غلام من بني أسد في أطمار ما ظننته يجمع بين كلمتين. فقلت: ما اسمك؟ قال: حريقيص. فقلت: أما كفى أهلك إن يسمونك حرقوصا حتى ضغروا اسمك؟ فقال: إنَّ السقط يحرق الحرج. فعجبت من جوابه فقلت: أتنشدنا شيئا من أشعار قومك؟ قال: نعم، أنشدك لمرازنا قلت: افعل. قال:
سكنوا شبيثا والاحص وأصبحوا ... نزلت منازلهم بنو ذيبانِ
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا ... حتى تقيم الخيل سوق طعانِ
وإذا فلان مات عن أررومةٍ ... رفعوا معاوز فقده بفلانِ
قال. فكادت الأرض تسوخ بي لحسن إنشاده الشعر. فأنشدت الرشيد هذه الأبيات فقال: يا أصمعي، وددت لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب! ومعنى المثل أنَّ الأمر الصغير قد يصير إلى أعظم، والرجل المستحقر قد يغني غناء المستعظم، بل الواحد قد يقوم مقام الجم. ومن هذا قول القائل:
لا تحقرن صغيراً في تقلبه ... إنَّ البعوضة تدمي مقلة الأسدِ
وللشرارة نارٌ حين تضرمها ... وربما أضرمت ناراً على بلدِ
وقال الآخر:
أرى خلل الرماد وميض نارٍ ... ويوشك أنَّ يكون لها ضرامُ
فإنَ النار بالزندين تورى ... وإنَّ الحربَ أولها الكلامُ
وقول المسكين: ولقد رأيت الشر بين الحي يبدؤه صغاره.
وقول أبي العلاء:
وقد ينمى من صغيرٍ ... وينبت من نوى القسب اللبان
وقد بين هذا المعنى من قديم عدي بن زيد حيث يقول:
شط وصل الذي تريدين مني ... وصغير الأمور ينجي الكبيرا
وبعد هذا البيت:
إنَّ للدهر غرة فاحذرنها ... لا تبيتين قد أمنت الدهورا
قد ينام الفتى صحيحا فيردى ... ولقد بات آمناً مسرورا
أيّها المبتغي سبيل غناه ... الزم البر في الفؤاد ضميرا
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
ووقع في شعر مرارٍ السابق شبيث والاحص وهما موضعان، والمعاوز وهي الخلفان، ويريد انهم كلما مات منهم كريم خلفه كريم يسد مسده. ومثله قول الحماسي السمؤل بن عاديا:
إذا سيد منا خلا قام سيد ... قؤول لمّا قال الكرام فعول
وقول الحماسي الآخر:
وليس يهلك منا سيد أبدا ... إلاّ اجتلينا غلاما سيدا فينا
وقول أبي الطمحان: إذا مات منا سيد قام صاحبه ونحوه كثير في أشعارهم. والمقصود من ذلك كله أنَّ السؤدد في القوم شائع، والكرم كثير ذائع، فكلما فقد من السادات مفقود، فغيره موجود.












مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید