المنشورات

إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع.

هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قاله للأنصار يصفهم بذلك. والفزع يكون على وجهين: أحدهما الذعر والجزع، وهو كثير الاستعمال، والأخر الاستنجاد والاستصراخ، ومنه قول سلامة بن جندل:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له فرع الظنابيب
أي: إذا أتى مستغيث كانت إغاثته الجد في نصرته. يقال: قرع ظنبوبه في هذا الأمر إذا جد فيه. والظنبوب: مقدم عظم الساق. ويشق من هذا المعنى أنَّ يكون فزع بمعنى أغاث. قال هبيرة اليربوعي، المقلب بالكلحبة:
فقلت لكاس الجهيما فإنما ... حللت الكثيب من زرود لأفزعا
أي لأغيث. وكأس اسم جاريته. والطمع معروف.
ومعنى الكلام المذكور وصف الأنصار رضي الله عنهم بالشجاعة والإقدام، وبذل النفوس في نصرة الإسلام، وتجشم المضائق في ذلك والعظائم، والتسارع إلى المكارم مع الزهد التام، ورفع الهمة عن الحطام. وهو معنى قوله: وتقلون عند الطمع، أي عند وجود الطمع في الناس لسبب من أسبابه، ويصح أنَّ يراد بالطمع المال المطموع فيه، أي: تقلون عند حضور الأموال واقتسامها وانتهابها، والقلة على بابها، أو للنفي وهو ابلغ. وناهيك بهذا الكلام مدحا وثناء، وبالأنصار رفعة وسناءً! ومثل هذا المعنى قول عنترة:
يخبركم من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المطعم
ومن هذا المعنى قول المهاجرين في الأنصار: انهم يكفوننا المؤونة، ويشاركوننا في المهنا. ومن باب المشاركة في الشدة قول أبي بكر الخوارزمي:
أراك إذا أيسرت خيمت عندنا ... لزاما وإنَّ أعسرت زرت لماما
فما أنت إلاّ البدر إنَّ قل ضوءه ... أغب وإنَّ زاد الضياء أقاما
وأصله قول الأول:
فتى كان يدينه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى، ويبعده الفقر
وتمثل بهذا البيت علي كرم الله وجهه في طلحة حين رآه مقتولاً يوم الجمل. وورد في ضد هذه الصفة، وهو المشاركة في الرفاهية والخذلان في الشدائد أمثال كثيرة من الشعر كقول الشاعر:
إذا ما علوا قالوا: أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أب
وقول الآخر:
موالين إذا افتقروا إلينا ... وإنَّ اثروا فليس لنا موالي
وقول الآخر:
أبو راشد مولاي ماطل حقه ... فإن كانت الأخرى فمولى بني سهم










مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید