المنشورات

بر الكريم طبعٌ، وبر البخيل دفعٌ.

البر: الحسان والفضل. ولا شك أنَّ الكريم ينبعث منه البذل طيبة به نفسه، بل يجد في ذلك أعظم اللذات، والبخيل لا يصدر عنه عطاء إلاّ عناء ومقاساة من نفسه حتى لا يكاد تسمع نفسه بالعطاء إلاّ عن رغبة أو رهبة كتوقي الأذى في النفس والمال والعرض. وهذا المنى بين مشروح في أبواب الكرن والبخل، مشهور لا حاجة إلى ذكره وما قيل فيه.
ومن الشديد الصعب في هذا المقام ما ذكره صاحب التشوق رحمه الله تعالى في مناقب الشيخ أبي العباس السبتي رضي الله عنه عن أبي زيد عبد الرحمن بن يوسف الحسني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أريد أن أراك في النوم كل ليلة. فقال: هذا لا يمكن فإني مطلوب في المشرق والمغرب. فشكوت له حالتي فقري، فقال لي: البخل أضر بك. قال: فمر بنا أحمد بن دوناس، وهو رجل صالح من الأولياء الأخفياء من أهل أغمات، لا يمسك شيئاً وربما تجرد عن أثوابه فيؤثر بها ويستتر بالأبواب. فسلم علينا وانصرف. فقلت: يا رسول الله وهذا؟ فقال: البخل اضر به. فقلت: يا رسول الله بين لي ما هذا البخل. فقال لي: لأقولن لك فيه قولا ينقله إليكم علماؤكم، إذا خطر لأحدكم خاطر بالعطاء ثم عقبه خاطر آخر بالمنع فالتردد في الخاطر الأول بخل. قال: فسألته عن أبي العباس السبتي، وكنت سيئ الاعتقاد فيه فتبسم ثم قال لي: هو من السباق. فقلت له: بين لي. فقال لي: هو ممن يمر على الصراط كالبرق. قال: فأصبحت وخرجت فلقيت أبى العباس السبتي فقال: ما سمعت وما رأيت؟ فقلت له: دعني. فقال: والله لا تركتك حتى تعرفني. فذهبت معه إلى حانوت أبن مساعد، فأنشأت أحدثه إلى أن قلت له: التردد في الخاطر الأول بخل. فصاح وغشي عليه، ثم قال: كلمت الصفا من المصطفى، وصار متى يذكر هذا الكلام يغشى عليه. انتهى ملخصا. فليعتبر العاقل بهذه القصة وهذا الكلام ولينظر في أحوال نفسه وأحوال غيره كيف يلقى من نفسه عندما يهم بخير غاية التردد والمنازعة والعناء، حتى إذا أعطى قليلا واكدى أهمته نفسه أنه جواد كريم رؤوف رحيم. وليته عرف مقامه وتقصيره فيتوب أو يستغفر وينكسر، عسى أن يتخلص مما ورد على البخل من الوعيد الشديد والذم الأكيد! والله المستعان.













مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید