المنشورات

أبلعني ريقي.

يقال: بلعت الشيء بكسر اللام وابتلعته بمعنى وأبلعته غيري: أمكنته أن يبلعه: والريق: ماء الفم ما دام لم ينفصل عنه فإذا انفصل فهو بزاق؛ والبعض منه ريقة. قال النابغة:
زعم الهمام ولم أذقه أنه ... يشفي برياً ريقها العطش الصدي
وقال الآخر:
يسقي امتياحا ندى المسواك ريقها ... كما تضمن ماء المزنة الرصف
ويقال: أبلغني ريقي أي أمهلني ساعة مقدار ما أبلعه ولا تعجل عليَّ! يضرب عند الاستمهال في مقام المحاورة والإكثار من السؤال واستدعاء الجواب حتى يعوق الاشتغال بالجواب عن بلع الريق. والقصد التأخير والتنفيس. قال شاس بن عبدة:
حلفت بما ضم الحجيج إلى منى ... وما ثج من نحر الهدى المقلد
لئن أنت عافيت الذنوب التي ترى ... وأبلغت ريقي وأنظرتني غدي
لأستعتبن مما يسؤك بعدها ... وإن سبني ذو لكنة بين أعبِ
ويحكى أنَّ عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى قال يوما لحاجبه: هات بدرة! فأتى بها، فوضعها بين يديه وقال لمن حضر من وجوه العرب: أيكم أنشدني صدر هذا البيت: والعود أحمد، فله هذه البدرة! فلم يكن فيهم من يعرفه. فقال للحاجب: اخرج وانظر من بالباب من العرب، وقل: من ينشدني صدر البيت: والعود أحمد، فله جائزة! فخرج الحاجب وقال ذلك. فقام فتى من القوم فقال: أنا. قال الحاجب: فأنشدني! قال: لا! إلاّ أن أشافه أمير المؤمنين. فدخل الحاجب فأخبره فقال عبد الملك: هذا رجل طال مقامه بالباب وله حاجة. والله لئن دخل عليَّ ولم ينشدني لأعاقبنه. أدخله! فلما دخل وسلم قال له عبد الملك أنشدنا صدر بيتنا! فقال: يا أمير المؤمنين،حاجتي! قال: وما هي؟ قال: بنو عم لي باعوا ضيعتهم بالسواد فأدخلوا ضيعتي في ضيعتهم فقال عبد الملك: فإن أمير المؤمنين قد رد عليك ضيعتك فأنشدنا صدر بينتا! قال: نعم يا أمير المؤمنين! قالت تميم إنه بيتها. قال أوس بن حجر:
جزينا بني شيبان صاعا بصاعهم ... وعدنا بمثل البدء والعود أحمد
قال: أخطأت! قال: يا أمير المؤمنين، أبلعني ريقي! قال: قد أبلعتك قال: قالت اليمن أنه بيتها. قال امرؤ القيس:
فإنَ كنت قد ساءتك مني خليقة ... فعودي كما نهواك والعود أحمدُ
قال: أخطأت! قال: يا أمير المؤمنين، قالت ربيعة إنّه بيتها. قال المرقش:
وأحسن فيما كان بيني وبينها ... وإن عاد بالإحسان فالعود أحمدُ
قال: أصبت، وإنك لظريف. فمن أنت؟ قال أنا زيد بن عمرو. قال: ممن؟ قال من حي جانب عجرفية قيس، وعنعنة تميم، وكسكسة ربيعة وصأصأة اليمن وتأنيث كنانة: أنا امرؤ من عذرة. فأمر له بالبدرة. وكان بين أبي العباس بن سريج الفقيه الشافعي، وبين أبي بكر محمد بن داود الظاهري مناظرات. فقال له أبو بكر يوما: أبلعني ريقي! قال أبلعتك دجلة! وقال له مرة أخرى أمهلني ساعة! قال: أمهلتك إلى قيام الساعة! وقال له أخرى: أجيئك من الرجل، وتجيئني من الرأس، قال: هكذا شأن البقر: إذا حفيت أظلافها، دهنت قرونها. واجتمعا في مجلس الوزير أبي الحسن بن الجراح فتناظرا في مسألة من الأبلاء، فقال له أبن سريج: أنت بكتاب الزهرة اعرف منك بهذا الفن، حيث تقول فيه: ومن كثرت لحظاته، دامت مسراته. فقال أبو بكر: والله انك لا تحسن أن تقرأه، وإنّه لأحد مناقبي حيث أقول:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... يصب على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... ولو اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فلست أرى حبا صحيحا مسلما
فقال أبن سريج: أو علي تفخر بهذا وأنا القائل، ولو شئت لقلت:
ومسافر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناتهِ
صبا بحسن حديثه وغنائه ... وأردد اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراتهِ
فقال أبو بكر: يا وزير، إنه قد أقر: فعليه إقامة البينة أنه بخاتم ربه وبراته، وإلاّ أقمنا عليه الحد! فقال أبن سريج: هذا لا يلزمني: فإن مذهبي أنَّ من أقر بأمر وناطه بصفة، فان إقراره لا يلزمه إلاّ منوطاً بتلك الصفة. وقيل: بل قال له: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزل في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما أو ملئتما علما وظرفا ولطفا! ويحكى أيضاً أنَّ الحجاج لمّا قال لأبي عمرو بن العلاء البصري ما وجه بياض.












مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید