المنشورات

بلغ السيل الزبى.

السيل مصدر يقال: سال الماء يسيل سيلا وسيلانا. فإذا قيل للماء سيل فمعناه سائل وضع المصدر مكان الصفة. ويستعمل السيل في الماء الكثير السائل والزبى بالزاي جمع زبية وهي حفرة تتخذ للأسد في الموضع العالي ويغطى بشيء ويجعل عليها لحم. فإذا تناوله الأسد سقط فيه. هكذا ذكر بعضهم. ويقال تزبيتها: اتخذتها. قال الراجز:
وكنت بالأمر الذي قد كيدا ... كالذي تزبى زبية فاصطيدا
وهي في كتابة اللغة: إنَّ الزبية تطلق على المكان المرتفع لا يصل إليه الماء ومنه المثل وعلى حفرة الأسد. وقال الطرماح:
ياطيء السهل والأجبال موعدكم ... كمبتغي الصيد أعلى زبية الأسد
نعم قال في الصحاح: إنّما سميت حفرة الأسد بذلك لأنهم كانوا يحفرونها في الموضع العالي. فأصل الزبية الموضع العالي. والسيل لا يصل إليه وإن وصله كان جارفا مفراطا مجحفا. فإذا قيل: بلغ السيل الزبى، فمعناه أن الأمر قد بلغ غايته والهول أدرك نهايته كما قال الراجز: قد بلغ السيل الزبى فلا غير. أي قد عظم الأمر عن أن يغير ويصلح. وكتب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أيام حصير إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أما بعد فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين وطمع في من لا يدفع عن نفسه ولم يفخر عليك كضعيف ولم يغلبك مثل مغلب فأقبل إلي على أي أمريك أحببت:
فأما كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلاّ فداركني ولمّا أمزق
وهذه أمثال أخرى سيأتي كل منها في موضعه إن شاء الله تعالى. وقال أبو بكر بن دريد رحمه الله:
لست إذا ما بهضتني غمرة ... ممن يقول: بلغ السيل الزبى
ومن أبلغ ما جاء في وصف قوة السيل قول امرئ القيس:
كأن ذرى رأس المجيمر غدمة ... من السيل والغثاء فلكة مغزل
والقى بصحراء الغبيط بعاه ... نزول اليماني ذي العياب المخول
كأن اسودا فيها غرقى غدية ... بأرجائها القصوى أنابيش عنصل
والمحيمر: جبل وذراه أعالي وفلكة المغزل التي يدور بها معرفة. يريد إنَّ السيل قد أحاط بهذا الجبل، فكأنه يدور فلذا شبهه بفلك المغزل فهو من التخيلات. والغرقى جمع غرق والأرجاء: النواحي والقصوى: البعيدة والعنصل: البصل البري المعروف. والأنالبيش جمع انباش والأنباش جمع نبش وهو أصل المنبوش. يريد إنَّ هذا السيل لكثر أغراق السياع فصارت طافية فوق الماء كأنها انبش العنصل يقتلعها السيل.











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید