المنشورات

بين الصبح لذي عينين.

معناه أنَّ الليل لا ظلامه يستوي فيه البصير والأعمى، فإذا أقبل الصبح تبينت الأشياء لكل ذي بصر فأدركها. أو معناه أنَّ الصبح لظهوره يدركه كل ذي بصر لا يمتري فيه ولا يلتبس عليه. يضرب في الشيء يتضح وينجلي بحيث لا يتطرق إليه التباس. ويقال أيضاً: وضح الصبح لذي عينين. وأصل المثل لقيس بن زهير العبسي صاحب الحروب بين عبس وذبيان بسبب الفرسين داحس والغبراء. وسنشرح ذلك في موضوعه إن شاء الله تعالى. وكان قيس داهية من دهاة العرب، يضرب به المثل في ذلك كما سيأتي. فحكي أنَّ رجلاً مر بحي الاحوص، فلما دنا من الحي نزل عن راحلته فعمد إلى شجرة فعلق عليها سقاء من لبن، وجعل بعض أغصانها حنظلة، ووضع صرة من تراب وصرة من شوك، ثم أستوى على راحلته وانطلق. فنظر القوم إلى ذلك فعمي عليهم أمره، فأرسلوا إلى قيس بن زهير، فلما جاءهم قال له الأحوص: المثل تخبرني أنه لا يرد عليك أمر إلاّ عرفت مأتاه؟ قال: ما ذلك؟ فأراه ذلك، فقال: وضح الصبح لذي عينين. فأرسلها مثلا، ثم قال: هذا رجل أسره جيش " قاصد " إليكم، ثم أنطلق بعد أن أخذ عليه العهد والميثاق أن لا ينذركم، فعرض لكم بما ترون. أما الصرة من التراب فأنه يزعم أنه أتاكم عدد كثير؛ وأما الحنظلة فإنه يزعم أن بني حنظلة قد غزتكم، وأما الشوك فيخبر إنَّ لهم شوكة، وأما اللبن فإنه دليل على قرب القوم أو بعدهم إنَّ كان حلواً أو حامضاً. فأشتد القوم فكان كما قال.
ومما يتلحق بهذا الباب قولك مثلا. أبرد من الثلج، وابرد من قرة، ونحو ذلك وهذا النحو من الأمثال لا يختص بنوع ولا ينحصر في شيء، إذ ما من شيء اتصف بصفة وامتاز بميزة من برودة أو بله أو بطئ أو إبصار أو غير ذلك من الأوصاف، إلاّ ولك أنَّ تضرب به المثل، إما تفصيلاً أو تشبيها. وهكذا في باب؛ غير إنَّ ما اشتهر من ذلك يثبت في الكتاب، وما سواه فسائغ استعماله، غير محذور ارتكابه.













مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید