المنشورات
أثقل من الفيل.
الثقل مر؛ والفيل بالكسر الحيوان المعروف وثقله معروف. ومما قال بعض الثقلاء يخاطب ثقيلا:
أنت يا هذا ثقيل ... وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسان ... وفي المخبر فيل
ولو تعرضت لظل ... فسد الظل الظليل!
وقال الأخر:
فما الفيل تحمله ميتا ... بأثقل من بعض جلاسنا!
ويحكى إنَّ الأعمش كان ينشد هذا البيت عندما يستثقل جليسا، وزعموا إنّه قال: من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثقلاء! وإنّه نقش على خاتمه: يا مقيت، أبرمت فقم!، فإذا أستثقل جليسا ناوله إياه؛ وإنّه قال له رجل يوما: مم عمشت عيناك؟ فقال: من النظر إلى الثقلاء!.
وفي حق الثقلاء قال: جالينوس: لكل شيء حمى، وحمى الروح النظر إلى الثقيل. وقيل له: لم صار الرجل ثقيل أثقل من الحمل الثقيل؟ فقال: لأن ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين القلب عليه بالجوارح. وقال زياد بن عبد الله: قيل للشافعي: هل يمرض الروح؟ قال: نعم، من ظل الثقلاء. قال: فمررت به يوما وهو بين ثقلين، فقلت له: كيف الروح؟ فقال: في النزع! كان بعضهم إذا رأى ثقيلاً يقول: قد جاءكم جبل. فإذا جلس قال: قد وقع عليكم! قيل لبعض الظرفاء، وكان له ثلاثة بنين ثقلاء: أي بنيك أثقل؟ فقال: ليس بعد الكبير أثقل من الصغير إلاّ الوسط. وكان بشار يأتيه ثقيل يقال له أبو سفيان. فسئل عنه بشار يوما فقال: لا ادري لم لا تحمل الأمانة أرض حملته، ولا كيف احتاجت إلى الجبال بعدما أقلته! كأن قربه أيام المصائب وليالي النوائب؛ وكأن عشرته فقد الحبائب، وسوء العواقب. ثم أنشد:
ربما يثقل الجليس وإنَّ كان ... خفيفا في كفة الميزان
ولقد قلت حين وتد في البيت ... ثقيل أربى على ثهلان
كيف لا تحمل الأمانة ارضٌ ... حملت فوقها أبا سفيان؟
وكان لبشار أيضاً صديق يقال له هلال، فقال لبشار يوما: يا أبا معاذ! إنَّ الله لم يذهب بصر أحد إلاّ عوضه منه شيئاً، فما عوضك؟ قال: الطويل العريض. قال: وما هو؟ قال: إلاّ أراك ولا أرى الثقلاء أمثالك! ثم قال: يا هلال، أتطيعني في نصيحة أخصك بها؟ قال: نعم! قال: انك كنت تسرق الحمير زمانا، ثم تبت وصرت رافضيا؛ فعد إلى سرقة الحمير، فهي والله خير لك من الرفض! وفي هلال هـ يقول بشار:
وكيف يحق لي بصري وسمعي ... وحولي عسكران من الثقال
قعودا عند دسكرتي وداري ... كأن لهم علي فضول مال؟
إذا ما شئت صبحني هلال ... وأي الناس أثقل من هلال؟
واستأذن بعض الثقلاء على أبن المبارك، فلم يأذن له. فكتب إليه ذلك الثقيل:
هل لذي حاجة إليك سبيل؟ ... لا طويل قعوده بل قليل!
فأجابه أبن مبارك:
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل! ... وقليل من الثقيل طويل!
ووصف بعض الأذكياء ثقيلاً فقال: هو ثقيل السكون بغيض الحركة، كثير الشؤم قليل البركة، كأنه ثقل الدين، ووجع العين. وما أحقه بقول القائل:
ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سره رغم انفي ألم
لنظرته وخزة في القلوب ... كوخز المحاجم في الملتزم
أقول له إذ أتى: لا أتى ... ولا حملته إلينا قدم
عدمت خيالك لا من عمى ... وسمع كلامك لا من صمم!
ووصف أخر ثقيلاً فقال: هو بين الجفن والعين قذاة، وبين القدم والنعل حصاة. ما أشبه طلعته إلاّ بغداة الفراق أو كتاب طلاق أو طلعة الرقيب أو موت الحبيب!
مشتمل بالبغض لا تنثني ... إليه طوعا لحظة الرامق
يظل في مجلسنا مبرما ... أثقل من واشٍ علىالعاشق
وذكر عند العباس بن الحسن العلوي ثقيل يقال له أبو عمار، فقال: ما الحمام على الأصرار، وحول الدين على الأقدار، وشدة السقم في الأسفار، بأثقل على النفس من طلعة أبي عمار. وانشد:
تحمل منه الأرض أضعاف ما ... يحمله الحوت من الأرض
وقال الأخر:
إلمام كل ثقيل قد أضر بنا ... نروم نقصهم والشيء يزداد
ومن يخف علينا لا يلم بنا ... وللثقيل مع الساعات تزداد
وقال الأخر:
وثقيل أشد من ثقل الموت ... ومن شدة العذاب الأليم
ولو عصت ربها الجحيم لمّا كان ... سواه عقوبة للجحيم
وقال جحظة البرمكي في صفة ثقيل:
يا لفظة النعي بموت الخليل ... يا وقفة التوديع بين الحمول
يا شربة اليارج يا أجرة المنزل ... يا وجه العدو الثقيل
يا طلعة النعش ويا منزلا ... أقفر من بعد الأنيس الحلول
يا نهضة المحبوب من غضبةٍ ... يا نعمة قد آذنت بالرحيل
ويا كتابا جاء من مخلف ... للوعد مملوء بعذر طويل
يا بكرة الثكلى إلى حفرة ... مستودع فيها عزيز الثكول
يا وثبة الحافظ مستعجلا ... بصرفه القينات عند الأصيل
ويا طبيب قد أتى باكراً ... على أخي سقم بماء البقول
يا شوكة في قدم رخصةٍ ... ليس إلى إخراجها من سبيل
يا عشرة المجذوم في رحله ... ويا صعود السعر عند المعيل
يا ردة الحاجب عن قسوة ... يا نكسة بعد برء العليل!
وقال آخر في ثقيل:
ليس من الناس ولكنه ... يحسبه الناس من الناس
أثقل في انفس أصحابه ... من جبل رأسي على رأسِ
وقال أخر:
يا من تبرمت الدنيا بطلعته ... كما تبرمت الأجفان بالسهدِ
إني لأذكره حينا فأحسبه ... من ثقله جالسا مني على كبدي
وقال الآخر:
نظر العين نحوه ... علم الله يمرض
فإذا ما أردتم ... أن تروه فغمضوا
لا تصبكم ملمة ... والملمات تعرض
وقال الآخر:
شخصك من مقلة النديم ... أوحش من نحسة النجوم
يا رجلا وجهه علينا ... أثقل من منة اللئيم
إني لأرجو بما أقاسي ... منك خلاصي من الجحيم
والشعر في هذا المعنى كثير. وقد قال المفسرون نزلت آية في الثقلاء: فإذا طعمتم فانتشروا. أد بهم الله بذلك. وكان حماد بن سلمة إذا رأى ثقيلا قال: ربنا اكشف عنا العذاب أنا مؤمنون. وذكر الأعمش ثقيلا كان يجلس إلى جانبه فقال: والله إني لأبغض شقي الذي يليه مني. وقال سهل بن هارون: من ثقل عليك بنفسه وأغمك بحديثه أو سؤاله فأعره عينا عمياء أذنا صماء. وأنشد أيضاً في ذلك:
هذا فتى أثقل من أحد ... يصبح من يلقاه في جهد
علامة البغض على وجهه ... بينة مذ كان في المهد
لو دخل النار طفا حرها ... ومات من فيها من برد
وفي الاستبراد قال آخر في قينة:
ولو مازج النار في حرها ... حديثك اخمد منها اللهب
وقال كشاجم:
غناء بريح بأرض الحجاز ... يطيب وأما بحمص فلا
لبرد الغناء وبرد الهواء ... فإنَ جمعا خفت أن يقتلا
ولقي برد الخيار المغنى أبا العباس المبرد على الجسر في يوم ثلج فقال له: أنت المبرد وأنا برد الخيار واليوم كما ترى اعتزلنا لا يهلك الناس الفالج بسببنا. وأذكرني هذا قول أبن الخطيب: بياض بمقدار نصف صفحة في النسخ كلها.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
1 مايو 2024
تعليقات (0)