المنشورات

خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع.

الغنى بكسر الغين وألف مقصورة ضد الفقر. قال:
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلتِ
وقد يمد للضرورة. قال:
سيغنيني الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم ولا غناءُ
والقنوع: السؤال والتذلل للمسؤول. وقد قنع الجل بالفتح قنوعا فهو قانع وقنيع. قال:
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أخف من القنوع
والمفاقر جمع فقر على غير قياس مثل مذاكير لذكر ومحاسن لحسن على ما في ذلك من كلام عند النحويين. ومنه قول النابغة:
فأهلي فداء لامرئ إن أتيته ... تقبل معروفي وسد المفاقرا
وقال عدي بن زيد العبادي:
وما خنت ذا عهد وأنت بعهده ... ولم أحرم المضطر إذ جاء قانعا
أي سائلا. وفي كلامهم: نسال الله القناعة ونعوذ به من القنوع.
وقلت في هذه المادة من قصيدة:
إن دعا القنوع ليس بشافيه ... هذا المرء نيل اقصى الأماني
ومن اعتز بالقناعة أمسى ... في نعيم وعزة وأمانِ
وقد يكون القنوع بمعنى القناعة وهو الرضى بالقسم على الضد وهذا هو المراد في المثل. قال الشاعر:
وقالوا قد ذهبت فقلت كلا ... ولكني أعزني القنوعُ
والقانع: الراضي. قال لبيد:
فمهم سعيد آخذٌ بنصيبه ... ومنهم شقى بالمعيشة قانعُ
ويقال إنما سمي السائل قانعا لنه يرضى بما أعطي وإ، كان قليلا. فيكون معنى القنوع والقناعة واحد أبدا؛ غير أنَّ فعل القناعة هو بالكسر يقال قنع بالكسر يقنع قناعة فهو قنع وقانع وقنوع وقنيع. ة الفقر بفتح الفاء الحاجة: والخضوع: التذلل.
ومعنى المثل واضح في صيانة الحر نفسه عن خسيس المكاسب. وهو من كلام أوس بن حارثة.
روي أنه عاش دهرا وليس له إلاّ ابنه مالك. وكان لأخيه الخزرج خمسة أولاد: عمرو وعوف وجشم والحارث وكعب. فلما احتضر أوس قال له قومه: كنا نأمرك بالزواج في شببك فلم تتزوج حتى حضرك الموت. فقال: الأوس: لم يهلك هالك ترك مثل مالك يعني مالك بن أوس ولده وإن كان الخزرج ذا عدد وليس لمالك ولد. فلعل الذي استخرج العذف من الجريمة والنار من الوثيمة أن يجعل لمالك مسلا ورجالا بسلا يا مالك المنية ولا الدنية والعتاب قبل العقاب والتجلد لا التبلد! وأعلم أنَّ القبر خير من الفقر؛ وشر شارب المشتف وأقبح طاعم المقتف؛ وذهاب البصر خير من كثير من النظر؛ ومن كرم الكريم الدفاع عن الحريم ومن قل ذل ومن أمر فل. وخير الغنى القناعة وشر الفقر الضراعة؛ والدهر يومان: فيوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فكلاهما سينحسر. فإنما تعز من ترى ويعزك من لا ترى. ولو كان الموت يشترى لسلم منه أهل الدنيا ولكن الناس فيه مستوون: الشريف الأبلج واللئيم المعلهج؛ والموت المفيت خير من أن يقال لك هبيت. وكيف بسلامة من ليست له إقامة؟ وشر من المصيبة سوء الخلف وكل مجموع إلى تلف. حياك إلاهك! انتهى.
فنشر الله من مالك بعدد بني الخزرج. والعذق بالفتح النخلة نفسها وبالكسر كباستها كما مر في الهمزة؛ والجريمة النواة؛ والوثيمة الموطوءة من الحجارة بحوافر الخيل ونحوها من الوثم وهو الكسر كما قال عنترة:
خطارة غب السرى موارة ... تطس الاكام بذات خف ميثمِ
وهذا الكلام يحلف به العرب يقولون: لا والذي أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة! ومن أيمانهم أيضاً: لا والذي شقهن خمسا من واحد! أي الأصابع ولا والذي أخرج قابية من قوب! أي فرخا من بيضة كما مر؛ و: لا والذي وجهي زمم بيته! بفتحتيناي تلقاءه وتجاهه؛ والبسل: الشجعان وأحدهم باسل والبسالة: الشجاعة؛ والمشتف هو المستقصي ما في إنائه ومنه حديث أم زرع: إن شرب اشتف. والمقتف: الآخذ للشيء بعجلة؛ وأمر الرجل: كثر عدده؛ وتعز: تغلب؛ والمعلهج: المتناهي في الدناءة واللؤم، وقيل هو العريق فيه اللئيم بن اللئيم، والهبيت: الأحمق الضعيف، ويقال له الجبان المخلوع القلب. وضده الثبيت. قال طرفة:
فالهبيت لا فؤاد له ... والثبيت قلبه قيمه
ويروى: فهمه قيمه.
وقد علمت أنَّ لفظ المثل في هذه الوصية التي سردنا من كلام أوس: خير الغنى والقناعة، وشر الفقر الضراعة. ورواية المثل على هذا الوجه هو رأي من لا يرى أنَّ القنوع يكون بمعنى القناعة، وبذلك اعترض البكري على أبي عبيد في إيراده المثل على الالفظ السابق، وقد علمت مما مر إنّه صحيح ومثل هذا المثل قول الفارعة بنت طريف ترثي أخاها:
فتى لا يعد الزاد إلاّ من التقى ... ولا مال إلاّ من قنى وسيوف
وقول الأبيرد اليربوعي:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر
وقول إبراهيم بن العباس الصولي:
أسد ضار إذا استنجدته ... وأب بر إذا ما قدرا
يعرف الأبعد إنَّ أثرى ولا ... يعرف الأدنى إذا ما افتقرا
وقوله أيضاً:
ولكن الجواد أبا هشام ... نقي الجيب مأمون المغيب
بطي عنك ما استغنيت عنه ... وطلاع عليك مع الخطوب
وقول الآخر:
إذا أعطشتك اكف اللئام ... كفتك القناعة شبعا وريا
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
فإنَّ إراقة ماء الحيا ... ة دون إراقة ما المحيا!
وتقدم ما في ذكر القناعة من الشعر وسيأتي أيضاً كثيرا، إن شاء الله تعالى! ووصية أوس المذكورة مشتملة على أمثال عدة، وقد نبهنا على غريبها، والباقي واضح








مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید