المنشورات

ذلك الظن بك يا أبا إسحاق!

وهو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة رضي الله عنه لمّا شكاه أهل الكوفة فقال له عمر رضي الله عنه: إنهم شكوك في كل شيء حتى الصلاة! فقال: إني أفعل ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أركد في الأولين وأحذف في الأخيرين. فقال عمر: ذلك الظن بك! وأما الشعر، فقال ضابئ:
لكل جديد لذة غير إنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ!
وقال الآخر:
طلبت الجميع ففات الجميع ... فمن طول حرصك لا ذا وذا!
غيره:
ما زال جيش الحب يغزو قلبه ... حتى وهى وتقطعت أفلاذه!
وقال الصابئ:
والعمر مثل الكأس ير ... سب في أواخره القذا
ومنه قول أبن النبيه:
خذ من زمانك ما أعطاك مغتبطا ... وأنت ناه لهذا الدهر آمره
فالعمر كالكأس تستحلى أوائله ... لكنه ربما مجت أواخره!
ويقال إنّه لمّا سمع أبن التعاويذي قول الصابئ، قال:
من شبه العمر كأسا يقر ... قذاه ويرسب في أسفله
فإني رأيت القذى طافيا ... على صفحة الكأس من أوله!
ومن ذلك قول الفاضل:
إليك بعد انقضاء اللهو واللعب ... عني فلم أربي ما يقتضي أربي
فالعمر كالكأس والأيام تمزجه ... والشيب فيه موضع الحبب
أقول إذ فاض فيض فضته: ... يا وحشة لشباب ذاهب الذهبِ!
وقول الخالدي:
لقد فرحت بما عاينت من عدم ... خوف القبيحين من كبر ومن بطر
وربما الأعمى بحالته ... لأنه قد نجا من طيرة العور
ولست أبكي على شيء منيت به ... يبكي على الشيب من يأسى على العمر
وما بكيت زماني وهو يصعدني ... فكيف أشكره في حال منحدر؟
وقال الشيخ أبن فارض، رحمه الله:
أهوى رشا هواه للروح غذا ... ما أحسن فعله ولو كان أذى
لم أنس وقد قلت له الوصل متى ... مولاي إذا مت أسى قال إذا
وقال أبو نواس في مجونه، عفا الله عنا وعنه!
وقائل: هل تريد الحج قلت له: ... نعم إذا فنيت لذات بغداد
وكيف بالحج لي ما دمت منغمسا ... في بيت قوادةٍ أو بيت نباذ؟
ومثله قول الآخر:
ألم ترني وبشار حججنا ... وكان الحج من خير التجارة؟
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الطريق إلى زرارة
فآب الناس قد حجوا وبروا ... وأبنا موقرين من الخسارة!
ونحوه ما يحكى أنَّ موسى بن داود الهاشمي عزم على الحج، فقال لأبي دلامة:
احجج معي ولك عشرة آلاف درهم! فقال له: هاتها! فدفعها إليه فقبضها وهرب إلى السواد، فجعل ينفقها هنالك في شرب الخمر. فطلبه موسى فلم يجده وخشي فوت الحج فخرج. فلما شارف القادسية إذا هو بأبي دلامة خارجا من قرية إلى أخرى سكران. فأمر به فأخذوه وقيد وطرح في محمل بين يديه. فلما سار غير بعيد اقبل على موسى وقال:
يا أيها الناس قولوا أجمعون معا: ... صلى الإله على موسى بن داود
كأنَّ ديباجتي خديه من ذهبٍ ... إذا بذلك في أثوابه السود
إني أعوذ بداود وأعظمه ... من أنَّ أكلف حجا يا أبن داود
خبرت أنَّ طريق الحج معطشة ... من الشراب وما بتصريد
والله ما في من أجر فتطلبه ... ولا الثناء على ديني بمحمود!
فقال موسى: ألقوه على المحمل، لعنه الله! فألقي به إلى قصفة بالسواد حتى أنفق المال. وقد قلت أنا قصيدة أكثرها يتعلق بالباب، فأثبت هنا، وهي:
هام الفؤاد بسعدي بعدما نزحت ... وأصبح الصبر عنها وهو مجذوذ
والعين منها سوابق الدموع على ... ميدان خد رديات مهابيذ
وأصبحت في الحشى من بينها حرق ... يصلى بها لن جراحات مغاذيذ
كأنما القلب إذ بانت ركائبها ... من الجوى صلب في النار محنوذ
وكنت قدما بها في روضة أنف ... من الوداد ثراها الدهر مرذوذ
أيام ورد المنى عذب مشاربه ... وغصن الود مهصور ومجبوذ
وإذ غفت مقل الأحداث وابتسمت ... سن المنى ولنا في الدهر تلميد
فلم يدم والغواني عهد وصلتها ... آل: من أغتر منه فهو موقوذ
لو إنّها أحكمت حبل الوصال مسا ... لم يأته الصبح إلاّ وهو مهذوذ
وما يمنين من جدوى ومن صلةٍ ... خضراء في الحزن مرعاها معاويذ
إنَّ الهوى لجة سهل مشارعها ... لكن يعز بها ناجٍ ومنقوذ
وما الفتى غير خلو عن عمايته ... ذو همة ذيله للجد مشموذ
عاط كؤوس رشاد لا كؤوس الهوى ... فالغي مطرح والرشاد مأخوذ
سام إلى كل ما يعلى مزاوله ... كما سما عن حضيض الأرض خنذيذ
فالعون مورده مر مذاقته ... وإنَّ حلا وأجاج العز ملذوذ
وما المنى بالهوى يجرين بل بمنى ... ما أحد كل ما يرجوه مفلوذ
والدهر مخلوجة أحداثه تركت ... فكر اللبيب لديها وهو مبذوذ
دجى حوالك لا يجلو مغالقها ... إلاّ فطين ذكي القلب خنذيذ
وللمفكر آيات تبصره ... لا يقطع السيف إلاّ وهو مشحوذ
والناس في الحب أخياف وأكثرهم ... وإنَّ بدا منهم ود ملاويذ
بور مناكيس لا يزكوا معاشرهم ... جريب يعادون عرا كلما حوذوا
فلا منوح نوالا إنَّ هم سئلوا ... في الجهل عندهم التحقيق منبوذ
سبحان إنَّ ليس يحز وفر الغنى حصير ... وباقل عندهم إنَّ جد خنذيذ
فلا تثق إنَّ هم ذموا وإنَّ مدحوا: ... فهم عن الرشد عمي أو مماليذ
والصدق أشرف خيم أنت لابسه ... وخير ما يحتلي الصيد المشاويذ
وخير ذخر الفتى دهر قناعته ... فذاك أوثق ما عض النواجيذ
وعفة وندى يحمي مسارحه ... إنَّ تتحاماه ألسن ملاجيذ
والمرء يمضي ويبقي بعده نبأ ... مدح يخلد أو نيل منافيذ
والموت حتم لديه الكل مرتهن ... إذا أتى الحتم لم تجد التعاويذ
وقلت أيضاً:
تحل بسبط الخلق واحتمل الأذى ... من الناس إنَّ عاشرتهم ودع البذا
وكن مغضيا عما يريبك باذلاً ... نداك ولا تغلل يديك فتنبذا
فإنَّ بني الدنيا بنو الحاج ما أجتنوا ... من العود إلاّ مثمرا غصنه غذا
وإني رأيت الحوض يغشى إذا صفا ... ويلقى إذا كان المشوب أو الوذا
وللنحل فضلا دون كل ذبابةٍ ... وللمسك والكافور عم كل ذي شذا
على أنَّ هذا الجيل آساد بيشة ... ملاذك منهم للحسام مشحذا
متى تعتلق أظفارهم كاهل أمرئ ... أصاروه رهنا للبلايا وللأذا
وإنَّ يعلقوا قلبا أعاروه حيرة ... وإنَّ يركبوا ظهرا تفتا أو ارتذا
فمن يستطع عنهم نوى فليجافهم ... بعاد ومن ألفى معاذاً تعوذا
فإنَّ البحار الخضر تحمى ظهورها ... زخورا وتعلوها مع الركدة الشذا
وتعدوا على الشاء الذياب بلا حمى ... وأكبادها من مربض الليث تهتذا
وما ذل إلاّ الفقع يوطأ بقرقر ... وإلاّ حمار الحي إنَّ رمته خذا
وذو الهمة العلياء من ليس جاعلا ... مقادته للجاهل النذل مأخذا
ولا تارك الأقذار تعلوا ذيولته ... إليه ولا في عرضه الناس لجذا
ولنكتف بهذا المقدار. من هذا المضمار، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل!








مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید