المنشورات

زوجٌ من عود، خيرٌ من قعود.

الزوج ضد الفرد. والزوج أيضاً بعل المرأة وهي أيضاً زوجة. فالزوج للذكر والأنثى هذا هو الفصيح. قال تعالى:) أسكن أنتَ وزوجكَ الجنة (وقد يقال زوجة. قال الفرزدق:
وإنَّ الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساعٍ إلى أسد الشرا يستبيلها!
وتقدم هذا. والعود بضم العين المهملة: معروف جمعه عيدان وأعواد والقعود: الجلوس وقد يفرق بينهما فيقال: القعود ضد القيام. فإذا كان أحد واقفا قيل له: أقعد! ولا يقال: اجلس! وإذا كان مضطجعا ثم استوى جالسا قيل: إنّه قد جلس.
ومعنى المثل أنَّ التزوج ولو بأدنى زوج خير من البقاء بلا زوج. قالته بنت همام بن مرة الوائلي البكري. وكان له فيما زعموا أربع بنات. فكان يخطبن إليه فيستأمرهن فيمنعهن الحياء أن يأذن فلا يزوجن. وكانت أمهن تأمره بتزويجهن فلا يفعل. فخرج ذات ليلة إلى متحدث لهن فجعل يستمع حديثهن وهن لا يعلمن. فقلن: تعالين نتمن ولنصدق! فقالت الكبرى:
إلاّ ليت زوجي من أناس ذوي غنى ... حديث الشباب طيب النشر والعطرِ
طبيبٌ بأدواء النساء كأنه ... خليفة جانٍ لا يبيت على وترِ!
فقلن لها: انك تحبين رجلا ليس في قومك. وقالت الثانية:
ألا هل أرها مرة وضجيعها ... أشم كماضي الشفرتين مهندِ
لصوقٌ بأكباد النساء واصله ... إذا ما انتهى من أهل سري ومحتدي؟
وقالت الثالثة:
ألا ليته على الجفان مدلب ... له جفنةٌ تشفى بها النيب والجزرُ
به محكمات الشيب من غير كبرةٍ ... تشين فلا العاني ولا الضرع الغمرُ!
فقلن لها: تحبين رجلا شريفا. فقلن للصغرى: تمني أنت! فقالت: ما أريد شيئا. فقلن: والله لا تبرحين حتى نعلم ما في نفسك! فقالت: زوجٌ من عودٍ خيرٌ من قعودٍ. فلما سمع أبوهن ذلك زوجهن.
وهكذا حكي عن بعضهم هذه القصة. والذي ذكر صاحب القاموس في اللغة أنَّ همام بن مرة له ثلاث بنات وآلا على نفسه ألا يزوجهن. فلما عنسن قالت إحداهن بيتا وأسمعته إياه متجاهلة. فقالت:
أهمام بن مرة إنَّ همي ... لفي الآئي يكون مع الرجالِ
فأعطاها سيفا وقال: هذا يكون مع الرجال! فقالت أخرى: ما صنعت شيئا ولكني أقول:
أهمام بن مرة إنَّ همي ... لفي قنفاء مشرفة القذال
والقنفاء تطلق عند العرب على الغليظة من آذان المعزى كأنها نعل مخصوف. وتطلق على الكمرة العظيمة وهو مراد القافية. فقال أبوها: وما قنفاء؟ تريدين معزى. فقالت الصغرى: ما صنعتما شيئا ولكني أقول:
أهمام بن مرة إنَّ همي ... لفي عردٍ أسد به مبالي
فقال: أخزاكن الله! وزوجهن. والعرد بفتح العين وسكون الراء: الذكر.
ويحكى أيضاً في نحو هذه القصة أنَّ رجلا من العرب كان له ثلاث بنات قد عضلهن ومنعهن الأكفاء. فقالت إحداهن: إن أقام أبونا على هذا الرأي فارقنا وقد ذهب حظ الرجال منا فينبغي لنا أن نعرض له بما في نفوسنا وكان يدخل إلى كل واحدة منهن يوما. فلما دخل على الكبرى تحادثا ساعة. فلما أراد الانصراف أنشدت:
أيزجر لاهينا ويحلى على الصبا ... وما نحن والفتيان إلاّ شقائقُ؟
يؤبن حييَّاتٍ مراراً كثيرةً ... وتنباق أحياناً بهن البوائقُ
فلما سمع الشعر ساءه. ثم دخل على الوسطى فتحادثا. فلما أراد الانصراف أنشدت:
ألا أيها افتيان إنَّ فتاتكم ... دهاها سماع العاشقين فخنت
فدونكم أبغوها فتى غير زملٍ ... وإلاّ صبت تلك الفتاة وجنت!
فلما سمع الشعر ساءه. ثم دخل على الصغرى في يومها. فلما أراد الانصراف أنشدت:
أما كان في ثنتين ما يزع الفتى ... ويعقل هذا الشيخ إن كان يعقلُ
فما هو إلاّ الحل أو طلب الصبا ... ولابد منه فائتمر كيف تفعلُ!
أحدهما الإكثار من الزيارة والإفراط فيها وهو يوجب السأم والملل والضجر. والثاني الإقلال منها جدا والإفراط في الغيبة والقطيعة. وهو يوجب الوحشة والتقاطع والتباعد. ونظم بعض الشعراء الكلام المذكور فقال:
إذا شئت أن تلقى فزر متتابعاً ... وإن شئت أن تزدد حباً فزر غبا
وقال الثعالبي:
عليك بإقلال الزيارة إنما ... تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فإني رأيت القطر يسأم دائماً ... ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا!
وقال أبو العتاهية:
أقلل زيارتك الصديق ولا تطل ... إتيانه فيلح في هجرانه!
إنَّ الصديق يلج في غشيانه ... لصديقه فيمل في غشيانه
حتى تراه بعد طول سروره ... وكأنه متبرم بمكانه
وإذا تولى عن صيانة نفسه ... رجلٌ تنقص واستخف بشانه
وقالوا: قلة الزيارة أمان من الملالة. وقالوا في الطرف الآخر يرك الزيارة سبب القطيعة. وينسب لعلي كرم الله وجهه:
الصبر من كرم الطبيعة ... والمن مفسدة الصنيعة
ترك التعاهد للصديق ... يكون داعية القطيعة
أزديادا. والعنز بفتح العين وسكون النون الأنثى من المعز ومن الظباء والأوعال. والعنز أيضاً اسم فرس وهي التي في قول الشاعر:
دلفت له بصدر العنز لمّا ... تحامته الفوارس والجالُ
والعنز أيضاً اسم قبيلة من هوازن وهي التي في قول الآخر:
وقاتلت العنز نصف النهار ... ثم تولت مع الصادر
والعنز أيضاً الأكمة السوداء وهي في قول رؤبة: وارم أخرس فوق عنزٍ وأراد بالإرم العلم المبني من حجارة وبكونه أخرس أنه بناء أصم. وقوله: فوق عنز أي أكمة.
وعنز أيضاً امرأة من طسم سبيت فحملوها في هودج وألطفوها بالقول والفعل فقالت: هذا شر يومي! أي: حين صرت أكرم للسباء. وقال الشاعر:
شر يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدجٍ جملا
وسيأتي. والمراد هنا العنز من المعز وقائله هبنقة القيسي الأحمق ذو الوداعات. وكان أخوه اشترى له بقرة بأربع أعنز فركبها وركضها. فلما أعجبه عدوها التفت إلى أخيه فقال: زدهم عنزاً! فصار مثلا يضرب في الإعطاء بعد إمضاء البيع.
ويحكى إنّه سار بها فرأى أرنبا تحت شجرة ففزع منها وركض البقرة وقال:
الله نجاني ونجى البقرة ... من جاحظ العينين تحت الشجرة!
وأخباره في الحمق كثيرة تقدم بعضها في الحاء.












مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید