المنشورات

سبق السيف العذل!

السبق معروف والسيف كذلك والعذل بالذال المعجمة: الملامة؛ والعذل بالتحريك الاسم منه. وهذا المثل يضرب في الأمر يفوت ولا يطمع في تداركه وتلافيه.
وأصله أنَّ الحارث بن ظالم ضرب رجلا بسيفه فقتله فأخبر بعذره فقال: سبق السيف العذل! وقيل إنَّ أصله إنَّ سعداً وسعيداً، أبني ضبة بن أد خرجا في طلب لهما، فرجع سعد وفقد سعيد. وكان ضبة إذا رأى شخصا مقبلا قال: أسعد أم سعيد؟ ثم إنّه في بعض مسائره أتى مكانا ومعه الحارث بن كعب في شهر الحرام، فقال: قتلت هنا فتى صفته كيت وكيت، وأخذت منه هذا السيف. فتناوله ضبة فعرفه فقال: إنَّ الحديث ذو شجون، ثم ضربه فقتله، فعذل فقال: سبق السيف العذل! وقال جرير:
يكلفني رد الغراب بعد ما ... سبقن كسبق السيف ما قال عاذله
وذكر البكري أبو عبيد إنَّ أوّل من قال: سبق السبق العذل، خريم بن نوفل الهمداني، وذلك أنَّ النعمان بن ثواب العبدي كان له بنون: سعد وسعيد وساعدة. فأما سعد فكان رجلا شجاعا بطلا؛ وأما سعيد فكان جوادا سمحا ذا إخوان وصنائع؛ وأما ساعدة فكان صاحب شراب وندمان. وكان أبوهم النعمان ذا شرف. وكان يوصيهم ويحملهم على أدبه. فقال لسعد، وكان صاحب حرب: إنَّ الصارم ينبو، والجواد يكبو، والأثر يعفو، والحليم يهفو. فإذا شهدت حربا فرأيت نارها تستعر، وبحرها يزخر، وبطلها يخط، وضعيفها يبصر فإياك أنَّ تكون صدي رماحها ونطيح نطاحها! وأعلم عند ذلك انهم ينصرون! ثم قال لسعيد، وكان جواداً: يا بني إنّه يبخل الجواد، ويصلد الزناد، ويحمد الثماد، وتحمل البلاد. فلا تدع إنَّ تجرب إخوانك وتبلوا أخدانك! ثم قال لساعدة: يا بني، إنَّ كثرة الشراب يفسد القلب ويقل الكسب، ويحدث اللغب. فأنظر نديمك واحم حريمك، وأعن غريمك. واعلم أن الظمأ القامح، خير من الري الفاضح. وعليك بالقصد، فإنَّ فيه بلاغا!
ثم إنَّ النعمان توفي، فقال سعيد: آخذن بأدب أبي ولابلون أوثق أخوتي في نفسي! وعمد إلى كبش فذبحه، ثم أضجعه في قبته وغشاه ثوبا. ثم دعا رجلا كان أوثق إخوانه في نفسه فقال: يا أبا فلان، إنّما أخوك من صديقك بعهده أحاطك برفده، وأقام معك بجهده، وسواك بولده. قال: صدقت! قال: فأني قتلت فلانا فما عندك؟ قال: فالسوأة السوأى وقعت فيها وانغمست. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد أنَّ تعينني عليه حتى أغيبه. قال: لست لك في ذلك بصاحب! فتركه وانطلق. ثم دعا سعيد رجلا آخر من إخوانه يقال له خريم بن نوفل فقال: يا خريم، ما عندك؟ قال: ما يسرك. قال: فإني قتلت قلانا. قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد أنَّ تعينني حتى أغيبه. قال: لهان ما فزعت فيه إلى أخيك! ثم قال، وعبد لسعيد معهما: هل أطلع على هذا عبدك هذا؟ فقال: لا. فأهوى خريم بالسيف إلى العبد فقتله وقال: ليس عبد بأخ لك! ففزع لذلك سعيد وقال: ما صنعت إنما أردت تجربتك. فقال خريم: سبق السيف العذل! انتهى.
وقال الطغرائي:
إنَّ كان ينجع شيء في ثباتهم ... على العهود فسبق السيف للعذل











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید