المنشورات

الشرط أملك، عليك أم لك.

الشرط بفتح فسكون إلزام الشيء والتزامه. ويكون أيضاً بمعنى سق الجلود، كفعل الحجام، وأما الشرط بالتحريك فهو العلامة، ومنه أشراط الساعة، أي علامتها؛ والملك مثلث الميم: لاحتواء على الشيء والقدرة عليه.
والمعنى إنَّ ما أشترط فهو لازم وأولى أنَّ يتفع سواء كان ذلك الشرك عليك أم كان لك.
وهذا المثل نطق به القاضي شريح، ولا أدري أهو المخترع له أم قيل قبله.
ذكر السكاكي في المفتح إنّه حكى أنَّ عدي بن أرطة أتى ومعه امرأة له مثال أهل الكوفة يخاصمها. فلما جلس بين يدي شريح قال له عدي: أين أنت؟ قال: بينك وبين الحائط. قال: إني امرؤ من أهل الشام. قال: بعيد وسحيق. قال: وإني قدمت العراق. قال: خير مقدم. قال: وتزوجت هذه. قال: بالرفاء والبنين! قال: إنّها ولدت لي غلاما. قال: ليهنك الفارس! قال: وأردت أنَّ أنقلها إلى داري. قال: المرء أحق بأهله. قال: كنت شرطت لها وكرها. قال: الشرط أملك منك! قال: أقض بيننا! قال: فعلت! قال: فعلى من قضيت؟ قال: على أبن أمك! قوله: أين أنت؟ يريد: في أي شغل أنت هذا الوقت؟ هل أنت متفرغ للنظر فيما بيننا؟ ولا يريد السؤال عن المكان حقيقة، ولكن لمّا كان فضولا مع ما فيه من سوء الأدب حمله القاضي على حقيقته وأجاب بنفس المكان، تجهيلا له وتعريضاً إنّه بين جمادين وهما عدي والحائط.
وقوله الرفاء والبنين: متعلق بمحذوف، أي تزوجت وأعرست مصحوبا بالرفاء، أي بالموافقة والألفة وبالبنين، أي الذكور دون البنات.
وقوله: ليهنك الفارس! دعاء له وتفاؤل، أي: ليكن ولدك هنيئا لك لائقابه، ويبلغ مبلغ الفروسة!
وقوله: الشرط أملك منك؟ أي ملكه وتصرفه أقوى من تصرفك، فلا ينبغي أنَّ يخالف. وقوله: على أبن أمك، أي عليك. وإنّما عدل عن التصريح إلى ما ذكر، كراهية موجهته بالحكم عليه، لمّا جلبت عليه النفوس من كراهية ذلك. ومثل هذا ما يحكى عن شريح أيضاً من إنَّ رجلا أقر عنده بشيء ثم أنكر، فلما قال له: أعط الحق! قال: من يشهد علي؟ قال: شهد عليك أبن أختك خالتك. فعدل عن التصريح ستر عليه وكراهية أنَّ ينسبه إلى الحمق بالإنكار بعد الإقرار.













مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید