المنشورات

بعض الشعراء في التواضع

: وقال ابن قتيبة: لم يقل بيت أبدع من قول الشاعر لبعض خلفاء بني أمية:
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلّم إلّا حين يبتسم «1»
وأحسن منه عندي قول الآخر:
فتى زاده عزّ المهابة ذلّة ... فكلّ عزيز عنده متواضع
وقال أبو العتاهية:
يا من تشرّف بالدّنيا وزينتها ... ليس التّشرّف رفع الطّين بالطين «2»
إذا أردت شريف النّاس كلّهم ... فانظر إلى ملك في زيّ مسكين
ذاك الّذي عظمت والله نعمته ... وذاك يصلح للدّنيا وللدّين
وقال الحسن بن هانيء في هيبة السلطان مع محبة الرعية:
إمام عليه هيبة ومحبة ... ألا بأبي ذاك الحبيب المحبّب
وقال آخر في الهيبة وإن لم تكن في طريق السلطان:
بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كلّ شيء وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
ولابن هرمة في المنصور:
له لحظات عن حفافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل «3»
كريم له وجهان وجه لدى الرضى ... أسيل ووجه في الكريهة باسل «4»
فأم الذي آمنت آمنة الرّدي ... وأم الذي أو عدت بالثّكل ثاكل
وليس بمعطي العفو من غير قدرة ... ويعفو إذا ما مكّنته المقاتل
وقال آخر في الهيبة:
أهاشم يا فتى دين ودنيا ... ومن هو في الّلباب من اللباب «5»
أهابك أن أبوح بذات نفسي ... وتركي للعتاب من العتاب
وقال أشجع بن عمرو في هيبة السلطان:
منعت مهابتك النّفوس حديثها ... بالشّيء تكرهه وإن لم تعلم
ومن الولاة مفخّم لا يتّقى ... والسّيف تقطر شفرتاه من الدّم
وقال أيضا لهرون الرشيد:
وعلى عدوّك يا بن عمّ محمّد ... رصدان: ضوء الصّبح والإضلام
فإذا تنبّه رعته، وإذا غفا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام «1»
وقال الحسن بن هانيء في الهيبة فأفرط:
ملك تصوّر في القلوب مثاله ... فكأنّه لم يخل منه مكان
ما تنطوي عنه القلوب بفجرة ... إلّا يكلّمه بها الّلحظان «2»
حتى الّذي في الرّحم لم يك صورة ... لفؤاده من خوفه خفقان
فمجاز هذا البيت في إفراطه أن الرجل إذا خاف شيئا أو أحبّه أحبه بسمعه وبصره وشعره وبشره ولحمه ودمه وجميع أعضائه، فالنّطف التي في الأصلاب داخلة في هذه الجملة.
قال الشاعر:
ألا ترثي لمكتئب ... يحبّك لحمه ودمه
وقال المكفوف في آل محمد:
أحبّكم حبّا على الله أجره ... تضمّنه الأحشاء واللحم والدم
ومثل هذا قول الحسن بن هانيء:
وأخفت أهل الشرك حتى إنّه ... لتخافك النّطف التي لم تخلق
فإذا خافه أهل الشرك خافته النطف التي في أصلابهم، على المجاز الذي ذكرناه.
ومجاز آخر: أنّ النطف التي أخذ الله ميثاقها يجوز أن يضاف إليها ما هي لا بد فاعلة من قبل أن تفعله، كما جاء في الأثر: إن الله عز وجل عرض على آدم ذريته فقال: هؤلاء أهل الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، وهؤلاء أهل النار وبعمل أهل النار يعملون.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید