المنشورات

بين عمر بن الخطاب وابن العاص

: وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص. وكان عامله على مصر: من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، سلام عليك، أما بعد. فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية «1» من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك.
فاكتب إليّ من أين أصل هذا المال ولا تكتمه.
فكتب إليه: من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي، وأنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي. وإني أعلم أمير المؤمنين أني بأرض السّعر فيه رخيص، وأني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله، وفي رزق أمير المؤمنين سعة. والله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك؛ فأقصر أيها الرجل، فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لك، إن رجعنا إليها عشنا بها.
ولعمري إن عندك من لا يذم معيشته ولا تذم له [وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني] «2» فأنّى كان ذلك ولم يفتح قفلك ولم نشركك في عملك؟
فكتب إليه عمر: أما بعد، فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع، وما يغني عنك أن تزكّي نفسك. وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك؛ فإنكم أيها الرّهط الأمراء جلستم على عيران المال، لم يعوزكم عذر، تجمعون لأبنائكم، وتمهّدون لأنفسكم. أما إنكم تجمعون العار وتورّثون النار.
والسلام.
فلما قدم عليه محمد بن مسلمة صنع له عمرو طعاما كثيرا. فأبى محمد بن مسلمة أن يأكل منه شيئا. فقال له عمرو: أتحرّمون طعامنا؟ فقال: لو قدّمت إليّ طعام الضيف أكلته، ولكنك قدّمت إليّ طعاما هو تقدمة شر. والله لا أشرب عندك ماء. فاكتب لي كل شيء هو لك ولا تكتمه. فشاطره ماله بأجمعه، حتى بقيت نعلاه، فأخذ إحداهما وترك الأخرى! فغضب عمرو بن العاص فقال: يا محمد بن مسلمة، قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل. والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها، وما منهما إلا في نمرة «1» لا تبلغ رسغيه؛ والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزوّرا «2» بالذهب.
قال له محمد: اسكت، والله إن عمر لخير منك، وأما أبوك وأبوه ففي النار، والله لولا الزمان الذي سبقك به لألفيت مقتعد شاة يسرك غزرها «3» ويسوءك بكؤها «4» .
فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله. فلم يخبر بها عمر.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید