المنشورات

من عمر إلى ابن أبي وقاص

: كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما- ومن معه من الأجناد:
أما بعد؛ فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسا من المعاصي منكم من عدوّكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإذا استوينا «1» في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله؛ ولا تقولوا إن عدوّنا شر منا فلن يسلّط علينا وإن أسأنا؛ فربّ قوم سلّط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا
«2» . واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوّكم. أسأل الله ذلك لنا ولكم. وترفّق بالمسلمين في مسيرهم، ولا تجشّمهم مسيرا يتعبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوّهم والسفر لم ينقص قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع «3» . وأقم بمن معك في كل جمعة يوما وليلة، حتى تكون لهم راحة يجمّون «4» فيها أنفسهم، ويرمّون «5» أسلحتهم وأمتعتهم. ونحّ منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه. ولا يرزأ أحدا من أهلها شيئا: فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فتولّوهم خيرا، ولا تستبصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح. وإذا وطئت أدنى أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم، ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإنّ الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه، والغاشّ عين عليك وليس عينا لك. وليكن منك عند دنوّك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم. فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم، وتتبع الطلائع عوراتهم. وانتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخيّر لهم سوابق الخيل، فإن لقوا عدوّا كان أول ما تلقاهم القوة من أصحابك، وتخيّر لهم سوابق الخيل؛ فإن لقوا عدوّ كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك. واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد، ولا تخص بها أحدا بهوى، فيضيع من رأيك وأمرك أكثر مما حابيت «1» به أهل خاصتك. ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوّف فيه غلبة أو ضيعة ونكاية «2» ؛ فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك، واجمع إليك مكيدتك وقوّتك، ثم لا تعاجلهم المناجزة، ما لم يستكرهك قتال، حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله، وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها، فتصنع بعدوّك كصنعه بك، ثم أذك أحراسك على عسكرك، وتحفّظ من البيات «3» جهدك. ولا تؤت بأسير له عهد إلا ضربت عنقه، لترهب بذلك عدوّ الله وعدوك. والله ولي أمرك ومن معك، ووليّ النصر لكم على عدوّكم، والله المستعان.







مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید