المنشورات

المهدي ومعن في رجل أهدر دمه

: الشيباني قال: قال سعيد بن سلم: أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة فأقام الرجل حينا متواريا، ثم إنه ظهر بمدينة السلام، فكان ظاهرا كغائب، خائفا مترقبا.
فبينا هو يمشي في بعض نواحيها إذ بصر به رجل من أهل الكوفة فعرفه فأهوى إلى مجامع ثوبه وقال هذا بغية أمير المؤمنين. فأمكن الرجل من قياده ونظر إلى الموت أمامه. فبينا هو على تلك الحالة إذ سمع وقع الحوافر من وراء ظهره، فالتفت فإذا معن بن زائدة، فقال: يا أبا الوليد، أجرني أجارك الله. فوقف وقال للرجل الذي تعلق به: ما شأنك؟ قال: بغية أمير المؤمنين الذي أهدر دمه وأعطى لمن دلّ عليه مائة ألف. فقال: يا غلام، انزل عن دابتك واحمل أخانا. فصاح الرجل: يا معشر الناس، يحال بيني وبين من طلبه أمير المؤمنين. قال له معن: اذهب فأخبره أنه عندي.
فانطلق إلى باب أمير المؤمنين فأخبر الحاجب، فدخل إلى المهدي فأخبره، فأمر بحبس الرجل ووجّه إلى معن من يحضر به، فأتته رسل أمير المؤمنين وقد لبس ثيابه وقرّبت إليه دابته، فدعا أهل بيته ومواليه فقال: لا يخلصنّ «1» إلى هذا الرجل وفيكم عين تطرف. ثم ركب ودخل حتى سلم على المهدي، فلم يردّ عليه، فقال: يا معن، أتجير عليّ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ونعم أيضا! واشتدّ غضبه. فقال معن: يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم باليمن في يوم واحد خمسة عشر ألفا، ولي أيام كثيرة قد تقدّم فيها بلائي وحسن غنائي، فما رأيتموني أهلا أن تهبوا لي رجلا واحدا استجار بي؟ فأطرق المهدي طويلا ثم رفع رأسه وقد سرّي عنه «2» ، فقال: قد أجرنا من أجرت. قال معن: فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله- فيكون قد أحياه وأغناه- فعل.
قال: قد أمرنا له بخمسة آلاف. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية وإن ذنب الرجل عظيم؛ فأجزل له الصلة. قال: قد أمرنا له بمائة ألف. قال: فتعجّلها يا أمير المؤمنين بأفضل الدعاء. ثم انصرف ولحقه المال؛ فدعا الرجل فقال له: خذ صلتك والحق بأهلك، وإياك ومخالفة خلفاء الله تعالى.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید