المنشورات
صفة جياد الخيل
للنبي صلّى الله عليه وسلّم
: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستحب من الخيل الشقر.
وقال: «لو جمعت خيل العرب في صعيد واحد ما سبقها إلا أشقر» .
وسأله رجل: أيّ المال خير؟ قال: سكة مأبورة، ومهرة مأمورة «1» .
وكان عليه الصلاة والسلام يكره الشّكال «2» في الخيل.
لبعضهم
: وقالوا: إنما سميت خيلا لاختيالها.
ووصف أعرابيّ فرسا فقال: إذا تركته نعس، وإذا حرّكته طار.
وأرسل مسلم بن عمرو لابن عم له بالشام يشتري له خيلا، فقال له: لا علم لي بالخيل. فقال: ألست صاحب قنص؟ قال: بلى. قال: فانظر، كل شيء تستحسنه في الكلب فاطلبه في الفرس. فأتي بخيل لم يكن في العرب مثلها.
وقال بعض الضّبّيّن في وصف فرس:
متقاذف عبل الشّوى شنج النّسا ... سبّاق أندية الجياد عميثل «3»
وإذا تعلّل بالسّياط جيادها ... أعطاك نائله ولم يتعلّل
بين المهدي وابن دراج في أفضل الخيل
: سأل المهدي مطر بن درّاج عن أي الخيل أفضل؟ قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استدبرته قلت زاخر «4» ، وإذا استعرضته قلت زافر «5» . قال: فأيّ هذه أفضل؟ قال: الذي طرفه إمامه، وسوطه عنانه.
وقال آخر: الذي إذا مشى ردى «1» ، وإذا عدا دحا «2» ، وإذا استقبل أقعى، وإذا استدبر جبّى «3» ، وإذا استعرض استوى.
بين معاوية وصعصعة
: وسأل معاوية بن أبي سفيان صعصعة بن صوحان: أي الخليل أفضل؟ قال: الطويل الثلاث، القصير الثلاث، العريض الثلاث، الصافي الثلاث. قال: فسّر لنا. قال: أما الطويل الثلاث، فالأذن والعنق والحزام؛ وأما القصير الثلاث، فالصّلب والعسيب والقضيب؛ وأما العريض الثلاث، فالجبهة والمنخر والورك؛ وأما الصافي الثلاث، فالأديم والعين والحافر.
بين عمر بن الخطاب وعمرو بن معديكرب في عراب الخيل
: وقال عمر بن الخطاب لعمرو بن معديكرب: كيف معرفتك بعراب الخيل؟ قال:
معرفة الإنسان بنفسه وأهله وولده. فأمر بأفراس فعرضت عليه، فقال: قدّموا إليها الماء في التّراس «4» ، فما شرب ولم يكتف «5» فهو من العراب، وما ثنى سنبكه «6» فليس منها.
قلت: إنما المحفوظ أن عمر شك في العتاق والهجن، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي فأخبره، فدعا سلمان بطست من ماء فوضع بالأرض، ثم قدّم إليه الخيل فرسا فرسا، فما ثنى سنبكه وشرب هجنه، وما شرب ولم يثن عرّبه.
وقال حسان بن ثابت يصف طول عنق الفرس:
بكلّ كميت جوزه نصف خلقه ... أقبّ طوال مشرف في الحوارك «1»
وقال زهير:
وملجمنا ما إن ينال قذاله ... ولا قدماه الأرض إلا أنامله «2»
وقال آخر:
له ساقا ظليم خا ... ضب فوجيء بالرّعب «3»
حديد الطّرف والمنك ... ب والعرقوب والقلب
وقال آخر «4» :
هريت قصير عذار الّلجام ... أسيل طويل عذار الرسن «5»
لم يرد بقوله «قصير عذار اللجام» قصر خدّه، وإنما أراد طويل شق الفم؛ وأراد بطول عذار الرسن، طول الخدّ.
وقال آخر:
بكلّ هريت نقيّ الأديم ... طويل الحزام قصير الّلبب «6»
لأبي عبيدة في عتاقه الفرس
: وقال أبو عبيدة: يستدلّ على عتاقة الفرس جحافله وأرنبته، وسعة منخريه، وعرى نواهقه «7» ، ودقّة حقويه وما ظهر من أعالي أذنيه، ورقة سالفتيه وأديمه، ولين شعره. وأبين من ذلك كله لين شكير «1» ناصيته وعرفه.
وكانوا يقولون: إذا اشتد نفسه، ورحب متنفّسه، وطال عنقه، واشتد حقوه، وانهرت شدقه، وعظمت فخذاه، وانشبخت «2» أنساؤه، وعظمت فصوصه، وصلبت حوافره ووقحت: ألحق بجياد الخيل.
قيل لرجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم من المقرف «3» ؟ قال نعم: أما الكريم فالجواد الجيد، الذي نهز نهز العير «4» ، وأنّف تأنيف السّير، الذي إذا عدا اسلهب «5» ، وإذا قيّد اجلعبّ «6» ، وإذا انتصب اتلأبّ «7» .
وأما المقرف فإنه الذّلول الحجبة، الضخم الأرنبة، الغليظ الرقبة، الكثير الجلبة، الذي إذا أرسلته قال أمسكني، وإذا أمسكته قال أرسلني.
وكان محمد بن السائب الكلبي يحدث أنّ الصّافنات «8» الجياد المعروضة على سليمان ابن داود عليهما السلام كانت ألف فرس ورثها عن أبيه، فلما عرضت عليه ألهته عن صلاة العصر حتى توارث الشمس بالحجاب، فعرقبها إلا أفراسا لم تعرض عليه، فوفد أقوام من الأزد، وكانوا أصهاره، فلما فرغوا من حوائجهم، قالوا: يا نبيّ الله، إنّ أرضنا شاسعة فزوّدنا زادا يبلّغنا. فأعطاهم فرسا من تلك الخيل، وقال: إذا نزلتم منزلا فاحملوا عليه غلاما واحتطبوا؛ فإنكم لا تورون ناركم حتى يأتيكم بطعامكم. فساروا بالفرس، فكانوا لا ينزلون منزلا إلا ركبه أحدهم للقنص فلا يفلته شيء وقعت عينه من ظبي أو بقر أو حمار، إلى أن قدموا إلى بلادهم فقالوا:
«ما فرسنا إلا زاد الراكب، فسموه زاد الراكب، فأصل فحول العرب من نتاجه.
ويقال إن «أعوج» كان منها، وكان فحلا لهلال بن عامر أنتجته أمه ببعض بيوت الحيّ، فنظروا إلى طرف يضع جحفلته على كاذتها- على الفخذ مما يلي الحياء- فقالوا: أدركوا ذلك الفرس لا ينزو على فرسكم، لعظم، «أعوج» وطول قوائمه فقاموا إليه فوجدوا المهر، فسموه أعوج.
وأخبرنا فرج بن سلام عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: أغير على أهل النسار «1» وأعوج موثق بثمامة، «2» فجال صاحبه في متنه ثم زجره فاقتلع الثمامة، فخرجت تحف في متنه كالخدروف «3» وراءه، فعدا بياض يومه وأمسى يتعشى من جميم قباء «4» .
وقال الشاعر في وصف فرس:
وأحمر كالدّيباج أمّا سماؤه ... فريّا، وأمّا أرضه فمحول
قوله: سماؤه: أعلاه. وأرضه: أسفله، يريد قوائمه.
وللطائي نظير هذا حيث يقول:
مبتلّ متن وصهوتين إلى ... حوافر صلبة له ملس
فهو لدى الرّوع والجلائب ذو ... أعلى مندّى وأسفل يبس
أو أدهم فيه كمتة أمم ... كأنّه قطعة من الغلس «5»
صهصلق في الصّهيل، تحسبه ... أشرج حلقومه على جرس
وقال حبيب أيضا يصف فرسا أهداه إليه الحسن بن وهب الكاتب.
ما مقرب يختال في أشطانه ... ملآن من صلف به وتلهوق «6»
بجوافز حفر وصلب صلّب ... وأشاعر شعر وحلق أحلق «7»
وبشعلة تبدو كأنّ حلولها ... في صهوتيه بدوّ شيب المفرق
ذو أولق تحت العجاج وإنّما ... من صحّة إفراط ذاك الأولق «1»
تغرى العيون به ويفلق شاعر ... في نعته عفوا وليس بمفلق
بمصعّد من نعته ومصوّب ... ومجمّع من حسنه ومفرّق
قد سالت الأوضاح سيل قرارة ... فيه فمفترق عليه وملتقي «2»
صافي الأديم كأنّما ألبسته ... من سندس ثوبا ومن إستبرق
مسودّ شطر مثل ما اسودّ الدّجى ... مبيضّ شطر كالبيضاض المهرق «3»
فكأن فارسه يصرّف إذ بدا ... في متنه ابنا للصّباح الأبلق
إمليسة إمليدة لو علّقت ... في صهوتيه العين لم تتعلّق «4»
يرقى وما هو بالسّليم ويغتدي ... دون السلاح سلاح أروع مملق «5»
لبعض الشعراء في أبي دلف
: وقال أبو سويد: شهد أبو دلف وقعة البذّ «6» وتحته فرس أدهم وعليه نضح الدم، فاستوقفه رجل من الشعراء وأنشد:
كم ذا تجرّعه المنون ويسلم ... لو يستطيع شكا إليك الأدهم
في كلّ منبت شعرة من جلده ... نمق ينمّقه الحسام المخذم «7»
وكأنّما عقد النّجوم بطرفه ... وكأنه بعرى المجرّة ملجم «8»
وكأنّه بين البوارق لقوة ... شقراء كاسرة طوت ما تطعم «9»
ما تدرك الأرواح أدنى سيره ... لا بل يفوت الرّيح فهو مقدّم
رجعته أطراف الأسنة أشقرا ... واللون أدهم حين ضرّجه الدّم
قال: فأمر له بعشرة آلاف.
لابن عبد ربه في وصف الفرس
: ومن قولنا في وصف الفرس:
ومقربة يشقرّ في النّقع كمتها ... ويخضرّ حينا كلما بلّها الرّشّح «1»
تطير بلا ريش إلى كلّ صيحة ... وتسبح في البرّ الذي ما به سبح
وقال عديّ بن الرّقاع:
يخرجن من فرجات النّقع دامية ... كأنّ آذانها أطراف أقلام
وطلب البحتري الشاعر من سعيد بن حميد بن عبد الحميد الكاتب فرسا ووصف له أنواعا من الخيل في شعره فقال:
لأكلّفنّ العيس أبعد همّة ... يجري إليها خائف أو مرتجي
وإلى سراة بني حميد إنهم ... أمسوا كواكب أشرقت في مذحج
والبيت لولا أنّ فيه فضيلة ... تعلو البيوت بفضلها لم يحجج
فأعن على غزو العدوّ بمنطو ... أحشاؤه طيّ الرّداء المدرج
إمّا بأشقر ساطع أغشى الوغى ... منه بمثل الكوكب المتأجّج
متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما تلقاه غير مضرّج «2»
أو أدهم صافي الأديم كأنّه ... تحت الكميّ مظهّر بيرندج «3»
ضرم يهيج السّوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج «4»
خفّت مواقع وطئه فلو انه ... يجري برملة عالج لم يرهج «5»
أو أشهب يقق يضيء وراءه ... متن كمتن اللّجة المترجرج «1»
تخفى الحجول ولو بلغن لبانه ... في أبيض متألق كالدّملج «2»
أوفى بعرف أسود متفرّد ... فيما يليه وحافر فيروزجي
أو أبلق ملأ العيون إذا بدا ... من كلّ لون معجب بنموذج
جذلان تحسده الجياد إذا مشى ... عنقا بأحسن حلّة لم تنسج «3»
وعريض أعلى المتن لو علّيته ... بالزئبق المنهال لم يتدحرج
خاضت قوائمه الوثيق بناؤها ... أمواج تحنيت بهنّ مدرّج «4»
ولأنت أبعد في السّماحة همة ... من أن تضنّ بملجم أو مسرج
لامريء القيس
: وأول من شبّه الخيل بالظباء والسّرحان والنعامة، وتبعه الشعراء وحذوا حذوه وعلى مثاله- امرؤ القيس بن حجر:
له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل «5»
كأنّ على المتنين منه إذا انتحى ... مداك عروس أو صلاية حنظل «6»
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السّيل من عل
درير كخذروف الوليد أمرّه ... تتابع كفّيه بخيط موصّل «7»
كميت يزلّ اللبد عن حال متنه ... كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل «8»
فأخذت الشعراء هذا التشبيه من امريء القيس فحذوا عليه، فقال طفيل الخيل:
إنّي وإن قالّ مالي لا يفارقني ... مثل النّعامة في أوصالها طول
تقريبها المرطى والجوز معتدل ... كأنّه سبد بالماء مغسول «1»
أو ساهم الوجه لم تقطع أباجله ... يصان وهو ليوم الرّوع مبذول «2»
بين عبد الملك بن مروان وأصحابه
: وقال عبد الملك بن مروان لأصحابه: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: مناديل مصر التي كأنها غرقئ «3» البيض. وقال بعضهم: مناديل اليمن التي كأنها أنوار الربيع.
فقال: ما صنعتم شيئا، أفضل المناديل مناديل عبدة بن الطّبيب حيث يقول:
لمّا نزلنا ضربنا ظلّ أخبية ... وفار باللحم للقوم المراجيل
وردا وأشقر لم ينهئه طابخه ... ما قارب النّضج منها فهو مأكول «4»
وقد وثبنا على عوج مسوّمة ... أعرافهنّ لأيدينا مناديل «5»
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
4 مايو 2024
تعليقات (0)