المنشورات

سوابق الخيل

قال الأصمعي: ما سبق في الرهان فرس أهضم قطّ. وأنشد لأبي النّجم:
منتفج الجوف عريض كلكله «6»
لأبي النجم في فرس هشام
: قال: وكان هشام بن عبد الملك رجلا مسبّقا لا يكاد يسبق، فسبقت له فرس أنثى وصلّت أختها، ففرح لذلك فرحا شديدا، وقال: عليّ بالشعراء. قال أبو النجم:
فدعينا فقيل لنا: قولوا في هذا الفرس وأختها. فسأل أصحاب النشيد النّظرة حتى يقولوا. فقلت له: هل لك في رجل ينقدك إذا استنسئوك «1» ؟ قال: هات. فقلت من ساعتي:
أشاع للغرّاء فينا ذكرها ... قوائم عوج أطعن أمرها
وما نسينا بالطريق مهرها ... حين نقيس قدره وقدرها
وصبره إذا عدا وصبرها ... والماء يعلو نحره ونحرها
ملمومة شدّ المليك أسرها ... أسفلها وبطنها وظهرها «2»
قد كاد هاديها يكون شطرها ... لا تأخذ الحلبة إلا سؤرها «3»
قال أبو النجم: فأمر لي بجائزة وانصرفت.
بين الرشيد والأصمعي في فرس سابق
: أبو القاسم جعفر بن أحمد بن محمد، وأبو الحسن علي بن جعفر البصري، قالا:
حدثنا أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي: أن هارون الرشيد ركب في سنة خمس وثمانين ومائة إلى الميدان لشهود الحلبة. قال الأصمعي: فدخلت الميدان لشهودها فيمن شهد من خواص أمير المؤمنين؛ والحلبة يومئذ أفراس للرشيد ولولديه الأمين والمأمون، ولسليمان بن أبي جعفر المنصور ولعيسى بن أبي جعفر فجاء فرس أدهم يقال له الربيذ لهرون الرشيد سابقا؛ فابتهج لذلك ابتهاجا علم ذلك في وجهه، وقال عليّ بالأصمعي. فنوديت له من كل جانب، فأقبلت سريعا حتى مثلت بين يديه، فقال: يا أصمعي، خذ بناصية الربيذ ثم صفه من قونسه إلى سنبكه؛ فإنه يقال إن فيه عشرين اسما من أسماء الطير. قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ وأنشدك شعرا جامعا لها من قول أبي حزرة. قال: فأنشدنا لله أبوك. قال: فأنشدته:
وأقبّ كالسّرحان تمّ له ... ما بين هامته إلى النّسر
الأقب: اللاحق المخطف البطن، وذلك يكون من خلقة وربما حدث من هزال أو بعد قود؛ والأنثى قبّاء، والجمع قبّ، والمصدر القبب. والسّرحان: الذئب، شبهه في ضموره وعدوه به، وجمعه سراحين: وقد قالوا: سراح. والهامة: أعلى الرأس، وهي أم الدماغ، وهي من أسماء الطير. والنسر: هو ما ارتفع من بطن الحافر من أعلاه كأنه النّوى والحصى، وهو من أسماء الطير، وجمعه نسور.
رحبت نعامته ووفّر فرخه ... وتمكن الصّردان في النحر
رحبت: اتسعت. ونعامته: جلدة رأسه التي تغطي الدماغ، وهي من أسماء الطير.
وقوله «ووفّر فرخه» الفرخ: هو الدماغ، وهو من أسماء الطيور، ووفّر أي تمّم؛ يقال: وفّرت الشيء ووفرته، بالتخفيف، موفور. والصردان: عرقان في أصل اللسان، ويقال إنهما عرقان أخضران مكتنفان باطن اللسان، منهما الرّيق ونفس الرئة؛ وهما من أسماء الطير. وفي الظهر صرد أيضا، وهو بياض يكون في موضع السرج من أثر الدّبّر؛ يقال: فرس صرد إذا كان ذلك به. والنحر: موضع القلادة من الصدر، وهو البرك.
وأناف بالعصفور من سعف ... هام أشمّ موثّق الجذر
أناف: أشرف. والعصفور: أصل منبت الناصية. والعصفور أيضا: عظم ناتيء في كل جبين. والعصفور: من الغرر أيضا، وهي التي سالت ودّقت ولم تجاوز إلى العينين ولم تستدر كالقرحة؛ وهو من أسماء الطير. والسّعف، يقال: فرس بيّن السّعف، وهو الذي سالت ناصيته. وهام: أي سائل منتشر. وأشمّ: مرتفع؛ والشّمم في الأنف:
ارتفاع قصبته. ويروى: هاد أشم. يريد عنقا مرتفعا، وجمعه هواد. وقوله: موثّق، أي شديد قويّ. والجذر: الأصل من كل شيء. قال الأصمعي وغيره: هو بالفتح.
وقال أبو عمرو بن العلاء: هو بالكسر.
وازدان بالدّيكين صلصله ... ونبت دجاجته عن الصّدر
ازدان: افتعل، من قولك زان يزين، وكان الأصل: ازتان، فقلبت التاء دالا لقرب مخرجها من مخرج الزاي، وكذلك ازداد، من زاد يزيد. والديكان: واحد هما ديك، وهو العظم الناتيء خلف الأذن، وهو الذي يقال له الخششاء والخشّاء.
والصلصل: بياض في طرف الناصية: ويقال: هو أصل الناصية: والدجاجة: اللحم الذي على زوره بين يديه؛ والديك والصلصل والدجاجة: من أسماء الطير.
والناهضان أمرّ جلزهما ... فكأنما عثما على كسر
الناهضان: واحدهما ناهض، وهو لحم المنكبين؛ ويقال: هو اللحم الذي يلي العضدين من أعلاهما؛ والجمع نواهض؛ ويقال في الجمع: أنهض، على غير قياس.
والناهض: فرخ القطا، وهو من أسماء الطير. وقوله: أمرّ جلزهما: أي فتل وأحكم؛ يقال أمررت الحبل فهو ممرّ، أي فتلته؛ والجلز: الشدّ. وقوله:
فكأنما عثما على كسر
أي كأنهما كسرا ثم جبرا؛ يقال: عثمت يده. والعثم: الجبر على عقدة وعوج؛ وعثمان: فعلان منه.
مسحنفر الجنبين ملتئم ... ما بين شيمته إلى الغرّ
مسحنفر الجنبين: أي منتفخهما. ملتئم: أي معتدل. وشيمته: نحره والشيمة أيضا:
من قولك: فرس أشيم: بيّن الشّيمة، وهي بياض فيه؛ ويقال: أن تكون شامة أو شام في جسده. والغرّ في الطير الذي يسمى الرخمة، وهي عضلة الساق.
وصفت سماناه وحافره ... وأديمه ومنابت الشّعر
السّماني: طائر، وهو موضع من الفرس لا أحفظه، إلا أن يكون أراد السّمامة، وهي دائرة تكون في سالفة الفرس، وهو عنقه. والسّمامة من الطير أيضا. والأديم:
الجلد.
وسما الغراب لموقعيه معا ... فأبين بينهما على قدر
سما الغراب: أي ارتفع. والغراب: رأس الورك. ويقال للصّلوين: الغرابان، وهما مكتنفا عجب الذنب. ويقال: هما أعالي الوركين. والموقعان منه: في أعالي الخاصرتين. فأبين: أي فرّق بينهما. على قدر، أي على استواء واعتدال.
واكتنّ دون قبيحه خطّافه ... ونأت سمامته عن الصّقر
اكتنّ، أي استتر. والقبيح: ملتقى الساقين، ويقال إنه مركّب الذراعين في العضدين. والخطّاف: من أسماء الطير، وهو حيث أدركت عقب الفارس إذا حرّك رجليه، ويقال لهذين الموضعين من الفرس: المركلان. ونأت. أي بعدت، والسّمامة:
دائرة تكون في عنق الفرس، وقد ذكرناها، وهي من أسماء الطير. والصقر: أحسبها دائرة في الرأس، وما وقفت عليها، وهي من أسماء الطير.
وتقدّمت عنه القطاة له ... فنأت بموقعها عن الحرّ
القطاة: مقعد الرّدف، وهي من أسماء الطير؛ والحرّ: من الطير، يقال: إنه ذكر الحمام. وهي من الفرس: سواد يكون في ظاهر أذنبه.
وسما على نقويه دون حداته ... خربان بينهما مدى الشّبر
النّقوان: واحد هما نقو، والجمع أنقاء. وهو عظم ذو مخ، وإنما عنى ها هنا عظام الوركين؛ لأن الخرب هو الذي تراه مثل المدهن في ورك الفرس. وهو من الطير: ذكر الحبارى. والحدأة: من الطير: وأصله الهمز ولكنه خفّف، وهي سالفة الفرس، وجمعها حداء، على وزن فعال، كما تقول: عظاءة وعظاء؛ ويقال: عظاية.
وإذا فتحت الفاء قلت حدأة، وهو الفأس ذات الرأسين، وجمعها حدأ، مثل نواة ونوى، وقطاة وقطا.
يدع الرّضيم إذا جرى فلقا ... بتوائم كمواسم سمر
الرّضيم: الحجارة. والفلق: المكسورة فلقا. بتوائم: جمع توأم، وقد قالوا: تؤام، على وزن فعال، جمع توأم؛ وهي على غير قياس. يقول: هي مثنى مثنى، يعني حوافره. والمواسم: جمع ميسم الحديد، أي إنها كمواسم الحديد في صلابتها. وقوله سمر: أي لون الحافر، وهو أصلب الحوافر.
ركّبن في محض الشّوى سبط ... كفت الوثوب مشدّد الأسر
الشوى ها هنا: القوائم، والواحدة شواة؛ ويقال: فرس محض الشوى، إذا كانت قوائمه معصوبة. سبط: سهل. كفت الوثوب. أي مجتمع، من قولك: كفتّ الشيء، إذا جمعته وتمّمته. مشدّد الأسر: أي الخلق.
قال الأصمعي: فأمر لي بألف درهم.
لأبي العتاهية في المشمر فرس الرشيد
: وسبق يوما فرس للرشيد، يسمى المشمّر. وكان أجراه مع أفراس للفضل وجعفر ابني يحيى بن خالد البرمكي. فقال أبو العتاهية:
جاء المسمّر والأفراس يقدمها ... هونا على سرعة منها وما انتهرا «1»
وخلّف الريح حسرى وهي تتبعه ... ومرّ يختطف الأبصار والنظرا
لأبي النجم في الحلبة
: وقال أبو النجم في شعر يصف الفرس، وهو أجود شعر يصف الحلبة:
ثمّ سمعنا برهان نأمله ... قيد له من كلّ أفق جحفله
فقلت للسّائس قده أعجله ... واغد لعنّا في الرّهان نرسله «2»
نعلو به الحزن ولا نسهّله ... إذا علا الأخشب صاح جندله «3»
ترنّم النّوّح يبكي مثكله ... كأنّ في الصّوت الذي يفصّله
زمّار دفّ يتغنى جلجله ... حتى وزدنا المصر يطوى قنبله «4»
طيّ التّجار العصب إذ تنخّله ... وقد رأينا فعلهم فنفعله «5»
نطويه والطّيّ الرقيق يجدله ... نضمّر الشّحم ولسنا نهزله
حتى إذا الليل تولّى أثجله ... واتّبع الأيدي منه أرجله «6»
قمنا على هول شديد وجله ... نمدّ حبلا فوق خطّ نعدله «7»
نقول قدّم ذا وهذا أدخله ... وقام مشقوق القميص يعجله
فوق الخماسيّ قليلا يفضله ... أدرك عقلا والرّهان عمله «8»
حتى إذا أدرك خيلا مرسله ... ثار عجاج مستطير قسطله «1»
تنفش منه الخيل ما لا تغزله ... مراّ يغطّيها ومراّ تنعله
مرّ القطا انصبّ عليه أجدله ... وهو رخيّ البال سام وهله «2»
قدّمه مثلا لمن يمتثله ... تطيره الجنّ وحينا ترجله
تسبح أخراه ويطفو أوله ... ترى الغلام ساجيا ما يركله «3»
يعطيه ما شاء وليس يسأله ... كأنّه من زبد يسربله
في كرسف النّدّاف لولا بلله ... تخال مسكا عله معلله «4»
ثم تناولنا الغلام تنزله ... عن مفرع الكتفين حلو عطله «5»
منتفج الجوف عريض كلكله ... فوافت الخيل ونحن نشكله «6»
والجنّ عكّاف به تقبّله
وقال آخر في فرس أبي الأعور السّلمي:
مرّ كلمع البرق سام ناظره ... تسبح أولاه ويطفو آخره
فما يمسّ الأرض منه حافره
قول هذا أشبه من قول أبي النجم: لأنه يقول:
تسبح أخراه ويطفو أوّله
وقال الأصمعي: إذا كان الفرس كما قال أبو النجم فحمار الكسّاح «7» أسرع منه.
لأن اضطراب مؤخره قبيح.
وقال الأصمعي: كان أبو النجم وصّافا للخيل إلا أنه غلط في هذا البيت، وقد غلط رؤبة أيضا في الفرس فقال يصف قوائمه:
يهوين شتّى ويقعن وفقا «8»
ولما أنشده مسلم بن قتيبة، قال له: أخطأت في هذا يا أبا الجحاف، جعلته مقيّدا.
قال: قرّبني من ذنب البعير.
وأنشد الأصمعي:
قد أطرق الحيّ على سابح ... أسطع مثل الصّدع الأجرد
لمّا أتيت الحيّ في متنه ... كأنّ عرجونا بمثنى يدي «1»
أقبل يختال على شأوه ... يضرب في الأقرب والأبعد
كأنّه سكران أو عابس ... أو ابن ربّ حدث المولد
وقال غيره:
أما إذا استقبلته فكأنه ... جذع سما فوق النّخيل مشذّب
وإذا اعترضت له استوت أقطاره ... وكأنّه، مستدبرا، متصوّب
وقال ابن المعتز:
وقد يحضر الهيجاء في شنج النّسا ... تكامل في أسنانه فهو قارح «2»
له عنق يغتال طول عنانه ... وصدر إذا أعطيته الجري سابح
إذا مال عن أعطافه قلت شارب ... عناه بتصريف المدامة طافح
وقال أيضا:
ولقد وطئت الغيث يحملني ... طرف كلون الصّبح حين وقد
يمشي ويعرض في العنان كما ... صدف المعشّق بالدلال وصد «3»
طارت به رجل مرصّعة ... رجّامة لحصى الطريق ويد «4»
فكأنه موج يسيل إذا ... أطلقته وإذا حبست جمد











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید