المنشورات

بين لص ورام

: وحدّث العتبي عن بعض أشياخه قال: كنت عند المهاجر بن عبد الله والى اليمامة، فأتي بأعرابي كان معروفا بالسرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك. قال: عجائبي كثيرة، ومن أعجبها أنه كان لي بعير لا يسبق، وكانت لي خيل لا تلحق، فكنت أخرج فلا أرجع خائبا، فخرجت يوما فاحترشت «3» ضبّا، فعلّقته على قتبي، ثم مررت بخباء ليس فيه إلا عجوز ليس معها غيرها، فقلت: يجب أن يكون لهذه رائحة من غنم وإبل. فلما أمسيت إذا بإبل مائة، وإذا شيخ عظيم البطن، شثن الكفين «4» ، ومعه عبد أسود، فلما رآني رحب بي، ثم قام إلى ناقة فاحتلبها، وناولني العلبة. فشربت ما يشرب الرجل، فتناول الباقي فضرب به جبهته، ثم احتلب تسع أينق فشرب ألبانهن، ثم نحر حوارا «5» فطبخه، فأكلت شيئا، وأكل الجميع حتى ألقى عظامه بيضا، وجثا على كومة من البطحاء وتوسدها ثم غط غطيط البكر. فقلت:
هذه والله الغنيمة، ثم قمت إلى فحل إبله فخطمته «1» : ثم قرنته ببعيري وصحت به، فاتّبعني الفحل واتّبعته الأبل إربابا به في قطار «2» ، فصارت خلفي كأنها حبل ممدود؛ فمضيت أبادر ثنيّة بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع، ولم أزل أضرب بعيري، مرة بيدي، ومرة برجلي، حتى طلع الفجر؛ فأبصرت الثنية، وإذا عليها سواد، فلما دنوت منه إذا الشيخ قاعد وقوسه في حجره! فقال: أضيفنا؟ قلت: نعم! قال: أتسخو نفسك عن هذه الإبل؟ قلت: لا. فأخرج سهمّا كأنه لسان كلب، ثم قال: انظره بين أذني الضبّ المعلّق في القتب. ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه، فقال لي: ما تقول؟
قلت: أنا على رأيي الأول. قال: انظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى، ثم رمى به فكأنما قدّره بيده ثم وضعه بأصبعه، ثم قال: رأيك؟ فقلت: إني أحب أن أستثبت. قال: انظر هذا السهم الثالث في عكوة ذنبه، والرابع والله في بطنك. ثم رماه فلم يخطيء العكوة؛ قلت: أنزل آمنا؟ قال: نعم. فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم تذهب منها وبرة. وأنا أنظر متى يرميني بسهم يقصد به قلبي؛ فلما تباعدت قال: أقبل! فأقبلت والله فرقا من شره لا طمعا في خيره. فقال: ما أحسبك تجشمت الليلة ما تجشمت إلا من حاجة! قلت نعم. قال: فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لطيّتك. قال: قلت: أما والله لا أمضي حتى أخبرك عن نفسك؛ فلا والله ما رأيت أعرابيا قط أشدّ ضرسا، ولا أعدى رجلا، ولا أرمى يدا، ولا أكرم عفوا، ولا أسخى نفسا، منك. فصرف وجهه عني حياء وقال: خذ الإبل برمتها مباركا لك فيها.









مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید