المنشورات

أبي هريرة في جعفر بن أبي طالب

: وقال أبو هريرة: ما وددت أن أحدا ولدتني أمّه إلا أم جعفر بن أبي طالب؛ تبعته ذات يوم وأنا جائع، فلما بلغ الباب التفت فرآني، فقال لي: ادخل، فدخلت؛ ففكّر حينا فما وجد في بيته شيئا إلا نحيا «1» كان فيه سمن مرّة، فأنزله من رف لهم، فشقّه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما كان فيه من السمن والزيت، وهو يقول:
ما كلّف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلّا بما تجد
وقيل بعض الحكماء: من أجود الناس؟ قال: من جاد من قلّة، وصان وجه السائل عن المذلّة.
وقال حماد عجرد:
أورق بخير تؤمّل للجزيل فما ... ترجى الثّمار إذا لم يورق العود
إنّ الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياّ وهو مجهود
بثّ النّوال ولا تمنعك قلّته ... فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود «2»
وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
وقال حاتم:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحلّ جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنّما وجه الكريم خصيب
وقال عبد الملك بن مروان: ما كنت أحب أنّ أحدا ولدني من العرب إلا عروة بن الورد لقوله:
أتهزأ مني سمنت وأن ترى ... بجسمي مسّ الجوع والجوع جاهد
لأني امرؤ عافى إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافى إنائك واحد
أقسّم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد «1»
ومن أحسن ما قيل في الجود مع الإقلال قول صريع:
فلو لم يكن في كفّه غير روحه ... لجاد بها فليتّق الله سائله
ومن أفرط ما قيل في الجود قول بكر بن النطّاح:
أقول لمرتاد النّدى عند مالك ... تمسّكّ بجدوى مالك وصلاته «2»
فتى جعل الدّنيا وقاء لعرضه ... فأسدى بها المعروف قبل عداته «3»
فلو خذلت أمواله جود كفّه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته
وإن لم يجز في العمر قسم لمالك ... وجاز له أعطاه من حسناته
وجاد بها من غير كفر بربّه ... وأشركه في صومه وصلاته
وقال آخر في هذا المعنى وأحسن:
ملأت يدي من الدنيا مرارا ... وما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجبت عليّ زكاة مال ... وهل تجب الزّكاة على الجواد












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید