المنشورات

استنجاح الحوائج

عادتهم في ذلك
: كانوا يستفتحون حوائجهم بركعتين يقولون فيهما: اللهم بك أستنجح، وباسمك أستفتح، وبمحمد نبيّك إليك أتوجه، اللهم ذلّ لي صعوبته، وسهّل لي حزونته، وارزقني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عنّي من الشر أكثر مما أخاف.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «استعينوا على حوائجكم بالكتمان لها، فإنّ كل ذي نعمة محسود» .
وقال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها من غير أهلها، فإنّ الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.
وقال: مفتاح نجح الحاجة الصبر على طول المدة. ومغلاقها اعتراض الكسل دونها.
قال الشاعر:
إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلّ من جدّ في أمر يحاوله ... واستصحب الصّبر إلا فاز بالظّفر
ومن أمثال العرب في هذا: من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له.
أخذ الشاعر هذا المعنى فقال:
إن الأمور إذا انسدّت مسالكها ... فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا «3»
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ... إذا تضايق أمر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا «1»
وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشدّ من المصيبة سوء الخلف منها.
وقالوا: صاحب الحاجة مبهوت، وطلب الحوائج كلّها تعزير «2» .
وقالت: الحكماء: لا تطلب حاجتك من كذّاب؛ فإنه يقرّ بها بالقول ويبعدها بالفعل؛ ولا من أحمق، يريد نفعك فيضرّك؛ ولا من رجل له أكلة من جهة رجل، فإنه لا يؤثر حاجتك على أكلته.
وقال دعبل بن علي الخزاعي:
جئتك مسترفدا بلا سبب ... إليك إلّا بحرمة الأدب «3»
فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملحّ عليك في الطّلب
وقال شبيب بن شيبة: إني لأعرف أمرا لا يتلاقى به اثنان إلا وجب النّجح بينهما. قيل له: وما ذاك؟ قال: العقل؛ فإن العاقل لا يسأل ما لا يمكن، ولا يردّ عما يمكن.
وقال الشاعر:
أتيتك لا أدلي بقربى ولا يد ... إليك سوى أنّي بجودك واثق
فإن تولني عرفا أكن لك شاكرا ... وإن قلت لي عذرا أقل أنت صادق «4»
وقال الحسن بن هانيء:
فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإنّي عاذر وشكور
وقال آخر:
لعمرك ما أخلقت وجها بذلته ... إليك ولا عرضته للمعاير
فتى وفّرت أيدي المكارم عرضه ... عليه وخلّت ماله غير وافر
بين ابن واسع وأمير
: ودخل محمد بن واسع على بعض الأمراء فقال: أتيتك في حاجة فإن شئت قضيتها وكنا كريمين، وإن شئت لم تقضها وكنّا لئيمين. أراد: إن قضيتها كنت أنت كريما بقضائها وكنت أنا كريما بسؤالك إباها؛ لأني وضعت الطّلبة في موضعها؛ فإن لم تقضها كنت أنت لئيما بمنعك وكنت أنا لئيما بسوء اختياري لك.
وسرق حبيب هذا المعنى فقال:
عيّاش إنك للّئيم وإنّني ... مذ صرت موضع مطلبي للئيم
عبد الله بن طاهر وسوار القاضي
: ودخل سوار القاضي على عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فقال: أصلح الله الأمير:
لنا حاجة والعذر فيها مقدّم ... خفيف معنّاها مضاعفة الأجر «1»
فإن تقضها فالحمد لله وحده ... وإن عاق مقدور ففي أوسع العذر «2»
قال له: ما حاجتك أبا عبد الله؟ قال: كتاب لي: إن رأى الأمير أكرمه الله- أن ينفذه في خاصته، كتب إلى موسى بن عبد الملك في تعجيل أرزاقي. قال: أو غير ذلك أبا عبد الله؟ نعجّلها لك من مالك، وإذا وددت كنت مخيّرا بين أن تأخذ أو تردّ. فأنشد سوار يقول:
فبابك أيمن أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره
وكفّك حين ترى المجتدي ... ن أندى من الّليلة الماطره
وكلبك آنس بالمعتفين ... من الأمّ بابنتها الزّائره «1»
أبو حازم الأعرج وسلطان في حاجة
: ودخل أبو حازم الأعرج على بعض أهل السلطان فقال: أتيتك في حاجة رفعتها إلى الله قبلك، فإن يأذن الله في قضائها قضيتها وحمدناك، وإن لم يأذن في قضائها لم تقضها وعذرناك.
وفي بعض الحديث: «اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه» .
أخذه الطائي فنظمه في شعره فقال:
قد تأوّلت فيك قول رسول الله ... إذ قال مفصحا إفصاحا
إن طلبتم حوائجا عند قوم ... فتنقّوا لها الوجوه الصّباحا
فلعمري لقد تنقّيت وجها ... ما به خاب من أراد النّجاحا
بين المنصور وطالب حاجة
: قال المنصور لرجل دخل عليه: سل حاجتك فإنك لست تقدر على هذا المقام في كل حين. قال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين، ما أستقصر عمرك ولا أخاف بخلك، وإنّ عطاءك لشرف، وإن سؤالك لزين، وما بامريء بذل إليك وجهه نقص ولا شين «2» . فوصله وأحسن إليه.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید