المنشورات

وفود دكين الراجز على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

قال دكين بن رجاء الفقيمي الراجز: مدحت عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة، فأمر لي بخمس عشرة ناقة كرائم صعابا، فكرهت أن أرمي بها الفجاج فتنتشر عليّ، ولم تطب نفسي ببيعها، فقدمت علينا رفقة من مصر، فسألتهم الصّحبة، فقالوا: إن خرجت الليلة. فقلت: إني لم أودّع الأمير ولابدّ وداعه.
قالوا: فإن الأمير لا يحجب عن طارق ليل. فاستأذنت عليه، فأذن لي وعنده شيخان لا أعرفهما. فقال لي: يا دكين، إن لي نفسا توّاقة، فإن أنا صرت إلى أكثر مما أنا فيه فبعين ما أرينّك. قلت له: أشهد لي بذلك أيها الأمير. قال: إني أشهد الله. قلت:
ومن خلقه! قال: هذين الشيخين. قلت لأحدهما: من أنت يرحمك الله أعرفك؟ قال:
سالم بن عبد الله. فقلت: لقد استسمنت الشاهد. وقلت للآخر: من أنت يرحمك الله؟
قال: أبو يحيى مولى الأمير. وكان مزاحم يكنى أبا يحيى. قال دكين: فخرجت بهن إلى بلدي، فرمى الله في أذنابهنّ بالبركة، حتى اتخذت منهنّ الضياع والرّباع والغلمان.
فإني لبصحراء فلج «2» ، إذا بريد يركض إلى الشام، فقلت له: هل من مغرّبة خبر؟
قال: مات سليمان بن عبد الملك. قلت: فمن القائم بعده؟ قال: عمر بن عبد العزيز.
قال: فأنخت قلوصي فألقيت عليها أداتي وتوجهت عنده؛ فلقيت جريرا في الطريق جائيا من عنده، فقلت: من أين أبا حزرة؟ قال: من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء قلت: فما ترى فإني خرجت إليه؟ قال: عوّل عليه في مال ابن السبيل كما فعلت. فانطلقت فوجدته قاعدا على كرسيّ في عرصة «1» داره، قد أحاط الناس به فلم أجد إليه سبيلا للوصول، فناديت بأعلى صوتي:
يا عمر الخيرات والمكارم ... وعمر الدّسائع العظائم «2»
إني امرؤ من قطن بن دارم ... أطلب حاجي من أخي مكارم
إذ ننتجي والليل غير نائم ... في ظلمة الليل وليلي عاتم
عند أبي يحيى وعند سالم
فقام أبو يحيى ففرّج لي، وقال: يا أمير المؤمنين، إن لهذا البدويّ عندي شهادة عليك. قال: أعرفها، ادّن مني يا دكين، أنا كما ذكرت لك أن لي نفسا توّاقة، وأن نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدنيا، فلما أدركتها وجدتها تتوق إلى الآخرة؛ والله ما رزأت من أمور الناس شيئا فأعطيك منه، وما عندي إلا ألفا درهم، أعطيك أحدهما. فأمر لي بألف درهم. فو الله ما رأيت ألفا كانت أعظم بركة منها.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید