المنشورات

مدح الملوك والتزلف إليهم

في سير العجم أن أردشير بن يزدجرد لما استوثق له أمره، جمع الناس فخطبهم خطبة حضّهم فيها على الألفة والطاعة، وحذّرهم المعصية ومفارقة الجماعة، وصنّف لهم الناس أربعة أصناف، فخروا له سجّدا، وتكلم متكلّمهم، فقال: لا زلت أيها الملك محبوّا من الله بعز النصر، ودرك الأمل «1» ، ودوام العافية، وتمام النّعمة، وحسن المزيد؛ ولا زلت تتابع لديك المكرمات، وتشفع إليك الذّمامات، حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالها، ولا تنقطع زهرتها، في دار القرار التي أعدّها الله لنظرائك من أهل الزّلفى عنده، والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاء الشمس والقمر، زائدين زيادة البحور والأنهار، حتى تستوى أقطار الأرض كلها في علوّك عليها، ونفاذ أمرك فيها؛ فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الصبح،ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم: فأصبحت قد جمع الله بك الأيادي بعد افتراقها، وألف بين القلوب بعد تباغضها، وأذهب عنا الإحن والحسائك «1» بعد توقّد نيرانها، بفضلك الذي لا يدرك بوصف، ولا يحدّ بنعت.
فقال أردشير: طوبي للممدوح إذا كان للمدح مستحقّا، وللداعي إذا كان للإجابة أهلا.
دخل حسّان بن ثابت على الحارث الجفنيّ فقال: أنعم صباحا أيها الملك، السماء غطاؤك، والأرض وطاؤك ووالدي ووالدتي فداؤك. أنّى يناوئك المنذر «2» ؟ فو الله لقذالك أحسن من وجهه، ولأمّك أحسن من أبيه، ولظلّك خير من شخصه، ولصمتك أبلغ من كلامه، ولشمالك خير من يمينه. ثم أنشأ يقول:
ونبّئت أنّ أبا منذر ... يساميك للحدث الأكبر
قذالك أحسن من وجهه ... وأمّك خير من المنذر
ويسرى يديك إذا أعسرت كيمنى يديه فلا تمتر «3» ودخل خالد بن عبد الله القسريّ على عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة، فقال:
يا أمير المؤمنين، من تكون الخلافة قد زانته فأنت قد زنتها، ومن تكون شرّفته فأنت قد شرفتها، وأنت كما قال الشاعر:
وإذا الدّرّ زان حسن وجوه ... كان للدّرّ حسن وجهك زينا
فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید