المنشورات

التنصل والاعتذار

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من لم يقبل من متنصّل «3» عذرا، صادقا كان أو كاذبا، لم يرد عليّ الحوض» .
وقال: «المعترف بالذنب كمن لا ذنب له. وقال: الاعتراف يهدم الاقتراف» «4» .
وقال الشاعر:
إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا ... إليك فلم تغفر له فلك الذّنب
واعتذر رجل إلى إبراهيم بن المهدي. فقال: عذرتك غير معتذر، إن المعاذير يشوبها الكذب.
واعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى، فقال: قد أغناك الله بالعذر عن الاعتذار، وأغنانا بحسن النية عن سوء الظن.
وقال إبراهيم الموصلي: سمعت جعفر بن يحيى يعتذر إلى رجل من تأخر حاجة ضمنها له، وهو يقول: أحتجّ إليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصادق النّيّة.
وقال رجل لبعض الملوك: أنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك في جرمه، ولا يلتمس رضاك إلا من جهة عفوك، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالزّلّة.
وقال الحسن بن وهب:
ما أحسن العفو من القادر ... لا سيّما عن غير ذي ناصر
إن كان لي ذنب ولا ذنب لي ... فما له غيرك من غافر
أعوذ بالود الذي بيننا ... أن يفسد الأوّل بالآخر
وكتب الحسن بن وهب إلى محمد بن عبد الملك الزيات:
أبا جعفر، ما أحسن العفو كلّه ... ولا سيّما عن قائل ليس لي عذر
وقال آخر:
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من أرضاك ظاهره ... وقد أجلّك من يعصيك مستترا
خير الخليطين من أغضى لصاحبه ... ولو أراد انتصارا منه لانتصرا «1»
وقالت الحكماء: ليس من العدل سرعة العذل «2» .
وقال الأحنف بن قيس: ربّ ملوم لا ذنب له.
وقال آخر:
لعلّ له عذرا وأنت تلوم
وقال حبيب:
البرّ بي منك وطّي العذر عندك لي ... فيما أتاك فلم تقبل ولم تلم
وقام علمك بي فاحتجّ عندك لي ... مقام شاهد عدل غير متّهم
وقال آخر:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكلّ امريء لا يقبل العذر مذنب
ومن قولنا في هذا المعنى:
عذيري من طول البكا لوعة الأسى ... وليس لمن لا يقبل العذر من عذر
وقال آخر:
فهبني مسيئا كالّذي قلت ظالما ... فعفو جميل كي يكون لك الفضل
فإن لم أكن للعفو عندك للّذي ... أتيت بهه أهلا فأنت له أهل
ومن الناس من لا يرى الاعتذار، ويقول: إياك وما يعتذر منه.
وقالوا: ما اعتذر مذنب إلا ازداد ذنبا.
وقال الشاعر محمود الوراق:
إذا كان وجه العذر ليس ببيّن ... فإنّ اطّراح العذر خير من العذر












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید