المنشورات

ابن مسلم حين بلغه غضب الخليفة على رجاء:

إبراهيم بن السّندي قال: كنت أساير سعد بن سلم، حتى قيل له: إن أمير المؤمنين قد غضب على رجاء بن أبي الضحّاك وأمر بأخذ ماله، فارتاع بذلك وجزع، فقيل له: ما يروعك منه؟ فو الله ما جعل الله بينكما نسبا ولا سببا. فقال: بلى، النّعمة نسب بين أهلها، والطاعة سبب مؤكّد بين الأولياء.
وبعث بعض الملوك إلى رجل وجد عليه: فقال لما مثل بين يديه: أيها الأمير، إن الغضب شيطان فاستعذ بالله منه؛ وإنما خلق العفو للمذنب، والتجاوز للمسيء، فلا تضق عما وسع الرعيّة من حلمك وعفوك. فعفا عنه وأطلق سبيله.
ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز على بعض الأمر، قال: أصلح الله الأمير، وأستغفر الرب، أسأل العافية! قال: قد عفونا عنك.
وأرسل بعض الملوك في رجل أراد عقوبته، فلما مثل بين يديه قال: أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك؛ وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، إلا نظرت في أمري نظر من برئى أحبّ إليه من سقمي، وبراءتي أحبّ إليه من جرمي.
وقال خالد بن عبد الله لسليمان بن عبد الملك حين وجد عليه: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تذهب الحفيظة؛ وأنت تجلّ عن العقوبة ونحن مقرّون بالذنب؛ فإن تعف عنّي فأهل ذلك أنت، وإن تعاقبني فأهل ذلك أنا.
وأمر معاوية بن أبي سفيان بعقوبة روح بن زنباع، فقال له: أنشدك الله يا أمير المؤمنين ألا تضع مني خسيسة أنت رفعتها، أو تنقض منّي مريرة أنت أبرمتها «1» ، أو تشمت بي عدوّا أنت وقمته «2» ، إلّا أتى حلمك وصفحك على خطئي وجهلي. فقال معاوية: خلّيا عنه، إذا أراد الله أمرا يسّره.
وجد عبد الملك بن مروان على رجل فجفاه واطّرحه، ثم دعا به ليسأله عن شيء، فرآه شاحبا ناحلا؛ فقال له: مذ متى اعتللت؟ فقال:
ما مسّني سقم ولكنّني ... جفوت نفسي إذ جفاني الأمير
وآليت ألا أرضى عنها حتى يرضى عني أمير المؤمنين. فأعاده إلى نفسه.
وقعد الحسن بن سهل لنعيم بن حازم، فأقبل إليه حافيا حاسرا وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء، ذنبي أعظم من الأرض. فقال له الحسن: على رسلك أيها الرجل، لا بأس عليك، قد تقدمت لك طاعة، وحدثت لك توبة، وليس للذنب بينهما موضع، ولئن وجد موضعا فما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید