المنشورات

المنصور وجعفر ابن محمد:

أبو الحسن المدائني قال: لما حج المنصور مرّ بالمدينة، فقال للربيع الحاجب: عليّ بجعفر بن محمد، قتلني الله إن لم أقتله. فمطل «2» به، ثم ألحّ عليه فحضر، فلما كشف الستر بينه وبينه ومثل بين يديه، همس جعفر بشفتيه، ثم تقرّب وسلّم، فقال: لا سلّم الله عليك يا عدوّ الله، تعمل عليّ الغوائل في ملكي؟ قتلني الله إن لم أقتلك. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ سليمان صلّى الله على محمد وعليه، أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر؛ وأنت على إرث منهم، وأحقّ من تأسّى بهم. فنكس أبو جعفر رأسه مليا. وجعفر واقف، ثم رفع رأسه فقال: إليّ أبا عبد الله، فأنت القريب القرابة، وذو الرّحم الواشجة «3» السليم الناحية، القليل الغائلة «4» . ثم صافحه بيمينه، وعانقه بشماله، وأجلسه معه على فراشه وانحرف له عن بعضه، وأقبل عليه بوجهه يحادثه ويسائله. ثم قال: يا ربيع، عجّل لأبي عبد الله كسوته وجائزته وإذنه.
قال الربيع: فلما حال الستر بيني وبينه أمسكت بثوبه، فقال: ما أرانا يا ربيع إلا وقد حبسنا. فقلت: لا عليك! هذه منّي لا منه. فقال: هذه أيسر، سل حاجتك.
فقلت له: إني منذ ثلاث أدفع عنك وأداري عليك، ورأيتك إذ دخلت همست بشفتيك، ثم رأيت الأمر انجلى عنك، وأنا خادم سلطان ولا غنى لي عنه، فأحبّ منك أن تعلّمنيه. قال: نعم، قلت: «اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بحفظك الذي لا يرام، ولا أهلك وأنت رجائي، فكم من نعمة أنعمتها عليّ قلّ لك عندها شكري فلم تحرمني، وكم من بليّة ابتليت بها قللّ عندها صبري فلم تخذلني، بك أدرأ «1» في نحره، وأستعيذ بخيرك من شرّه، فإنك على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم» .












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید