المنشورات

لهنيدة في الفخر:

وكانت هنيدة بنت صعصعة عمة الفرزدق تقول: من جاءت من نساء العرب بأربعة كأربعتي يحلّ لها أن تضع خمارها عندهم، فصرمتي «1» لها: أبي صعصعة، وأخي غالب، وخالي الأقرع بن حابس، وزوجي الزّبرقان بن بدر! فسمّيت ذات الخمار.
وممن شرفت نفسه وبعدت همته، طاهر بن الحسين الخراساني، وذلك أنه لما قتل محمد بن زبيدة، وخاف المأمون أن يغدر به، امتنع عليه بخراسان ولم يظهر خلعه.
وقال دعبل بن علي الخزاعي يفتخر بقتل طاهر بن الحسين محمدا، لأنه كان مولى خزاعة، ويقال إنه خزاعي:
أيسومني المأمون خطّة عاجز ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد!
يوفي على رأس الخلائق مثل ما ... توفي الجبال على رءوس الفدفد «1»
إنّي من القوم الذين هم هم ... قتلوا أخاك وشرّفوك بمقعد
رفعوا محلّك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد «2»
وقال طاهر بن الحسين:
غضبت على الدّنيا فأنهبت ما حوت ... وأعتبتها منّي بإحدى المتالف «3»
قتلت أمير المؤمنين وإنّما ... بقيت عناء بعده للخلائف
وأصبحت في دار مقيما كما ترى ... كأنّي فيها من ملوك الطوائف
وقد بقيت في أمّ رأسي فتكة ... فإمّا لرشد أو لرأي مخالف
فأجابه محمد بن يزيد بن مسلمة:
عتبت على الدّنيا فلا كنت راضيا ... فلا أعتبت إلّا بإحدى المتالف
فمن أنت أو ما أنت يا فقع قرقر ... إذا أنت منّا لم تعلّق بكانف «4»
فنحن بأيدينا هرقنا دماءنا ... كثول تهادى الموت عند التزاحف «5»
ستلعم ما تجني عليك وما جنت ... يداك فلا تفخر بقتل الخلائف
وقد بقيت في أم رأسك فتكة ... سنخرجها منه بأسمر راعف
وقال عبد الله بن طاهر:
مدمن الإغضاء موصول ... ومديم العتب مملول
ومدين البيض في تعب ... وغريم البيض ممطول
وأخو الوجهين حيث رمى ... بهواه فهو مدخول «6»
أقصري عما طمحت له ... ففراغي عنك مشغول
سائلي عمّن تسائلني ... قد يردّ الخير مسئول
أنا من تعرف نسبته ... سلفي الغرّ البهاليل «1»
سل بهم تنبيك نجدتهم ... مشرفيّات مصاقيل «2»
كلّ عضب مشرب علقا ... وغرار الحدّ مفلول «3»
مصعب جدّي نقيب بني ... هاشم والأمر مجبول
وحسين رأس دعوتهم ... بعده، والحقّ مقبول
وأبي من لا كفاء له ... من يسامى مجده قولوا
صاحب الرأي الذي حصلت ... رأيه للقوم المحاصيل
حلّ منهم بالذّرا شرفا ... دونه عزّ وتبجيل
تفصح الأنباء عنه إذا ... أسكت الأنباء مجهول
سل به الجبار يوم غدا ... حوله الجرد الأبابيل «4»
إذ علت مفرقه يده ... نوطها أبيض مصقول «5»
أبطن المخلوع كلكله ... وحواليه المقاويل «6»
فثوى والتّرب مصرعه ... غال عنه ملكه غول
قاد جيشا نحو بابله ... ضاق عنه العرض والطّول
وهبوا لله أنفسهم ... لا معازيل ولا ميل «7»
ملك تجتاح صولته ... ونداه الدهر مبذول
نزعت منه تمائمه ... وهو مرهوب ومأمول «8»
وتره يسعى إليه به ... ودم يجنيه مطلول «9»
فأجابه محمد بن يزيد بن مسلمة، وكان من أصحابه وآثرهم عنده، ثم اعتذر إليه وزعم أنه لم يدعه إلى إجابته إلا قوله:
من يسامي مجده قولوا
فأمر له بمائة ألف وزاده أثرة ومنزلة:
لا يرعك القال والقيل ... كلّ ما بلّغت تضليل
ما هوى لي كنت أعرفه ... بهوى غيرك موصول
أيخون العهد ذو ثقة ... لا يخون العهد متبول «1»
حمّلتني كلّ لائمة ... كلّ ما حمّلت محمول
واحكمي ماشئت واحتكمي ... فحرامي لك تحليل
أين لي عنك إلى بدل ... لا بديل منك مقبول
ما لداري منك مقفرة ... وضميري منك مأهول
وبدت يوم الوداع لنا ... غادة كالشمس عطبول «2»
تتعاطى شدّ مئزرها ... ونطاق الخصر محلول
شملنا إذ ذاك مجتمع ... وجناح البين مشكول «3»
ثم ولّت كي تودّعنا ... كحلها بالدمع مغسول
أيّها البادي بطيّته ... ما لأغلاطك تحصيل
قد تأوّلت على جهة ... ولنا ويحك تأويل
إنّ دلّيلاك يوم غدا ... بك في الحين لضلّيل
قاتل المخلوع مقتول ... ودم القاتل مطلول
قد يخون الرّمح عامله ... وسنان الرّمح مصقول
وينال الوتر طالبه ... بعد ما تسلوا المثاكيل «4»
يا أخا المخلوع طلت يدا ... لم يكن في باعها طول
وبنعماه الذي كفرت ... جالت الخيل الأبابيل
وبراع غير ذي شفق ... فعلت تلك الأفاعيل
يا بن بنت النار موقدها ... ما لحاذيه سراويل
من حسين من أبوه ومن ... مصعب غالتهم غول
إنّ خير القول أصدقه ... حين تصطتكّ الأقاويل «1»













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید