المنشورات

مراسلات الملوك

العتبي عن أبيه، قال: أهدي ملك اليمن عشر جزائر إلى مكة، وأمر أن ينحرها أعزّ قرشيّ؛ فقدمت وأبو سفيان عروس بهند بنت عتبة، فقالت له: أيها الرجل، لا يشغلنّك النساء عن هذه المكرمة التي لعلها أن تفوتك. فقال لها: يا هذه، دعي زوجك وما يختاره لنفسه! والله ما نحرها غيري إلا نحرته! فكانت في عقلها حتى خرج أبو سفيان في اليوم السابع فنحرها.
بين قيصر ومعاوية:
زهير عن أبي الجويرية الجرميّ، قال: كتب قيصر إلى معاوية: أخبرني عمن لا قبلة له، وعمّن لا أب له، وعمن لا عشيرة له، وعمن سار به قبره، وعن ثلاثة أشياء لم تخلق في رحم، وعن شيء، ونصف شيء، ولا شيء؛ وابعث إليّ في هذه القارورة ببزر كلّ شيء.
فبعث معاوية بالكتاب والقارورة إلى ابن عباس، فقال: أمّا من لا قبلة له فالكعبة. وأما من لا أب له فعيسى. وأما من لا عشيرة له فآدم. وأما من سار به قبره فيونس. وأما ثلاثة أشياء لم تخلق في رحم، فكبش إبراهيم، وناقة ثمود، وحيّة موسى. وأما شيء، فالرجل له عقل يعمل بعقله؛ وأما نصف شيء، فالرجل ليس له عقل ويعمل برأي ذوي العقول، وأما لا شيء، فالذي ليس له عقل يعمل به ولا يستعين بعقل غيره. وملأ القارورة ماء وقال: هذا بزر كلّ شيء.
فبعث به إلى معاوية، فبعث به معاوية إلى قيصر؛ فلما وصل إليه الكتاب والقارورة، قال: ما خرج هذا إلا من أهل بيت النبوّة.
من ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز:
نعيم بن حماد قال: بعث ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز كتابا فيه:
من ملك الأملاك الذي هو ابن ألف ملك، والذي تحته ابنة ألف ملك، والذي في مربطه ألف فيل، والذي له نهران ينبتان العود والألوّة والجوز والكافور، والذي يوجد ريحه على مسيرة اثني عشر ميلا، إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئا.
أما بعد، فإني قد بعثت إليك بهدية، وما هي بهدية ولكنّها تحية؛ قد أحببت أن تبعث إليّ رجلا يعلّمني ويفهمني الإسلام. والسلام.
يعني بالهدية: الكتاب.
بين ملك الروم والوليد في هدم كنيسة دمشق:
الرياشي قال: لما هدم الوليد كنيسة دمشق، كتب إليه ملك الروم:
إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كان صوابا فقد أخطأ أبوك، وإن كان خطأ فما عذرك.
فكتب إليه: وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ، فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً
«1» .
وكتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان: أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة. لأغزينّك جنودا مائة ألف ومائة ألف.
فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يبعث إلى عبد الله بن الحسن ويتوعده ويكتب إليه بما يقول. ففعل، فقال عبد الله بن الحسن: «إن لله عزّ وجل لوحا محفوظا يلحظه كل يوم ثلاثمائة لحظة، ليس منها لحظة إلا يحيي فيها ويميت ويعز ويذلّ ويفعل ما يشاء، وإني لأرجو أن يكفينيك منها بلحظة واحدة!» فكتب به الحجاج إلى عبد الملك بن مروان، وكتب به عبد الملك إلى ملك الروم.
فلما قرأه قال: ما خرج هذا إلا من كلام النبوة.
بعث ملك الهند إلى هارون الرشيد بسيوف قلعيّة، وكلاب سيورية، وثياب من ثياب الهند.
فلما أتته الرسل بالهدية أمر الأتراك فصفّوا صفين ولبسوا الحديد حتى لا يرى منهم إلا الحدق، وأذن للرّسل فدخلوا عليه، فقال لهم: ما جئتم به؟ قالوا: هذه أشرف كسوة بلدنا. فأمر هارون القطّاع بأن يقطع منها جلالا وبراقع كثيرة لخيله فصلّب الرّسل على وجوههم، وتذمّموا ونكسوا رءوسهم. ثم قال لهم الحاجب: ما عندكم غير هذا؟ قالوا له: هذه سيوف قلعية لا نظير لها. فدعا هارون بالصّمصامة سيف عمرو بن معد يكرب، فقطعت به السيوف بين يديه سيفا سيفا كما يقطّ الفجل، من غير أن تنثني له شفرة، ثم عرض عليهم حدّ السيف فإذا لا فلّ فيه؛ فصلّب القوم على وجوههم.
ثم قال لهم: ما عندكم غير هذا؟ قالوا: هذه كلاب سيورية لا يلقاها سبع إلا عقرته. فقال لهم هارون: فإن عندي سبعا، فإن عقرته فهي كما ذكرتم. ثم أمر بالأسد فأخرج إليهم، فلما نظروا إليه هالهم، وقالوا: ليس عندنا مثل هذا السّبع في بلدنا! قال لهم هارون: هذه سباع بلدنا. قالوا فنرسلها عليه. وكانت الأكلب ثلاثة، فأرسلت عليه فمزّقته، فأعجب بها هارون، وقال لهم، تمنّوا في هذه الكلاب ما شئتم من طرائف بلدنا. قالوا ما نتمنى إلا السيف الذي قطعت به سيوفنا. قال لهم: هذا مما لا يجوز في ديننا أن نهاديكم بالسلاح، ولولا ذلك ما بخلنا به عليكم، ولكن تمنوا غير ذلك ما شئتم. قالوا: ما نتمنى إلا به. قال: لا سبيل إليه. ثم أمر لهم بتحف كثيرة، وأحسن جائزتهم.
بين المأمون وطاهر بن الحسين:
أبو جعفر البغدادي قال: لما انقبض طاهر بن الحسين بخراسان عن المأمون وأخذ حذره، أدّب له المأمون وصيفا بأحسن الآداب، وعلّمه فنون العلم، ثم أهداه إليه مع ألطاف كثيرة من طرائف العراق وقد واطأه على أن يسمّه، وأعطاه سمّ ساعة، ووعده على ذلك بأموال كثيرة؛ فلما انتهى إلى خراسان وأوصل إلى طاهر الهدية، قبل الهدية وأمر بإنزال الوصيف في دار، وأجرى عليه ما يحتاج إليه من التوسعة في النّزالة، وتركه أشهرا. فلما برم «1» الوصيف بمكانه، كتب إليه:
يا سيدي، إن كنت تقبلني فاقبلني، وإلا فردّني إلى أمير المؤمنين.
فأرسل إليه وأوصله إلى نفسه. فلما انتهى إلى باب المجلس الذي كان فيه، أمره بالوقوف عند باب المجلس، وقد جلس على لبد أبيض وقرّع رأسه وبين يديه مصحف منشور، وسيف مسلول. فقال: قد قبلنا ما بعث به أمير المؤمنين غيرك، فإنا لا نقبلك، وقد صرفناك إلى أمير المؤمنين. وليس عندي جواب أكتبه إلا ما ترى من حالي. فأبلغ أمير المؤمنين السلام وأعلمه بالحال التي رأيتني فيها.
فلما قدم الوصيف على المأمون وكلمه بما كان من أمره ووصف له الحالة التي رآه فيها، شاور وزراءه في ذلك وسألهم عن معناه. فلم يعلمه واحد منهم. فقال المأمون:
لكني قد فهمت معناه: أما تقريعه رأسه وجلوسه على اللّبد الأبيض، فهو يخبرنا أنه عبد ذليل؛ وأما المصحف المنشور، فإنه يذكّرنا بالعهود التي له علينا؛ وأما السيف المسلول، فإنه يقول: إن نكثت تلك العهود فهذا يحكم بيني وبينك. أغلقوا عنا باب ذكره ولا تهيجوه في شيء مما هو فيه.
فلم يهجه المأمون حتى مات طاهر بن الحسين، وقام عبد الله بن طاهر مكانه:
فكان أخفّ الناس على المأمون.
وكتب طاهر بن الحسين إلى المأمون في إطلاق ابن السّندي من حبسه، وكان عامله على مصر فعزله عنها وحبسه؛ فأطلقه له وكتب إليه:
أخي أنت ومولاي ... فما ترضاه أرضاه
وما تهوى من الأمر ... فإنّي أنا أهواه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید