المنشورات

فنون العلم

قال سهل بن هارون وهو عند المأمون: من أصناف العلم ما لا ينبغي للمسلمين أن ينظروا فيه، وقد يرغب عن بعض العلم كما يرغب عن بعض الحلال.
فقال المأمون: قد يسمّي بعض الناس الشيء علما وليس بعلم، فإن كان هذا أردت فوجهه الذي ذكرت.
ولو قلت أيضا إن العلم لا يدرك غوره، ولا يسبر قعره، ولا تبلغ غايته، ولا تستقصى أصوله، ولا تنضبط أجزاؤه، صدقت؛ فإن كان الأمر كذلك فابدأ بالأهمّ فالأهم، والأوكد فالأوكد، وبالفرض قبل النّفل «2» ، يكن ذلك عدلا قصدا ومذهبا جميلا.
وقد قال بعض الحكماء: لست أطلب العلم طمعا في غايته والوقوف على نهايته، ولكن التماس ما لا يسع جهله. فهذا وجه لما ذكرت.
وقال آخرون: علم الملوك النسب والخبر، وعلم أصحاب الحروب درس كتب الأيام والسّير، وعلم التجار الكتاب والحساب. فأما أن يسمّى الشيء علما وينهى عنه من غير أن يسأل عما هو أنفع منه، فلا.
وقال محمد بن إدريس رضي الله عنه: العلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان.
وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: من أراد أن يكون عالما فليطلب فنّا واحدا، ومن أراد أن يكون أديبا فليتفنّن في العلوم.
وقال أبو يوسف القاضي: ثلاثة لا يسلمون من ثلاثة: من طلب الدّين بالفلسفة لم يسلم من الزّندقة، ومن طلب المال بالكيمياء لم يسلم من الفقر، ومن طلب غرائب الحديث لم يسلم من الكذب.
وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى: العلم أكثر من أن يحاط به، فخذوا من كل شيء أحسنه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل.
وقال الشاعر:
وما من كاتب إلّا ستبقى ... كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفّك غير شيء ... يسرّك في القيامة أن تراه
وقال الأصمعي: وصلت بالملح «1» ونلت بالغريب.
وقالوا: من أكثر من النحو حمّقه، ومن أكثر من الشعر بذّله «2» ، ومن أكثر من الفقه شرّفه.
وقال أبو نواس الحسن بن هانيء:
كم من حديث معجب عندي لكا ... لو قد نبذت به إليك لسرّكا
ممّا تخيّره الرّواة مهذّب ... كالدّرّ منتظما بنحر فلّكا «3»
أتتبّع العلماء أكتب عنهم ... كيما أحدّث من لقيت فيضحكا










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید