المنشورات

العقل

قال سحبان وائل: العقل بالتجارب؛ لأن عقل الغريزة سلّم إلى عقل التجربة.
ولذلك قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام.
وعلى العاقل أن يكون عالما بأهل زمانه، مالكا للسانه، مقبلا على شانه.
وقال الحسن البصري: لسان العاقل من وراء قلبه؛ فإذا أراد الكلام تفكّر، فإن كان له قال وإن كان عليه سكت؛ وقلب الأحمق من وراء لسانه، فإذا أراد أن يقول قال، فإن كان له سكت، وإن كان عليه قال.
بين سليمان بن عبد الملك ورجل أعجب بكلامه:
وقال محمد بن الغاز: دخل رجل على سليمان بن عبد الملك، فتكلم عنده بكلام أعجب سليمان، فأراد أن يختبره لينظر أعقله على قدر كلامه أم لا. فوجده مضعوفا.
فقال: فضل العقل على المنطق حكمة، وفضل المنطق على العقل هجنة، وخير الأمور ما صدّق بعضها بعضا؛ وأنشد:
وما المرء إلّا الأصغران: لسانه ... ومعقوله، والجسم خلق مصوّر
فإن تر منه ما يروق فربّما ... أمرّ مذاق العود والعود أخضر «1»
ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول زهير:
وكائن ترى من معجب لك صامت ... زيادته أو نقصه في التكلّم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدّم
وقال علي رضي الله عنه: العقل في الدّماغ، والضّحك في الكبد، والرأفة في الطّحال، والصوت في الرئة.
وسئل المغيرة بن شعبة عن عمر بن الخطّاب رضوان الله عليه، فقال: كان والله أفضل من أن يخدع، وأعقل من أن يخدع. وهو القائل: لست بخبّ «1» ، والخبّ لا يخدعني.
وقال زياد: ليس العاقل الذي إذا وقع في الأمر احتال له، ولكن العاقل يحتال للأمر حتى لا يقع فيه.
وقيل لعمر بن العاص: ما العقل؟ فقال: الإصابة بالظن، ومعرفة ما يكون بما قد كان.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من لم ينفعه ظنّه لم ينفعه يقينه.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذكر ابن عباس رضي الله عنهما، فقال:
لقد كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.
وقالوا: العاقل فطن متغافل.
وقال معاوية: العقل مكيال ثلثه فطنة وثلثاه تغافل.
وقال المغيرة بن شعبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ عزله عن كتابة أبي موسى، أعن عجز عزلتني أم عن خيانة؟ فقال: لا عن واحدة منهما، ولكني كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك.
وقال معاوية لعمرو بن العاص: ما بلغ من عقلك؟ قال: ما دخلت في شيء قطّ إلا خرجت منه. فقال معاوية: لكني ما دخلت في شيء قط وأردت الخروج منه.
وقال الأصمعي: ما سمعت الحسن بن سهل مذ صار في مرتبة الوزارة يتمثل إلا بهذين البيتين:
وما بقيت من اللّذّات إلا ... محادثة الرّجال ذوي العقول
وقد كانوا إذا ذكروا قليلا ... فقد صاروا أقلّ من القليل
وقال محمد بن عبد الله بن طاهر- ويروي لمحمود الوراق-:
لعمرك ما بالعقل يكتسب الغنى ... ولا باكتساب المال يكتسب العقل
وكم من قليل المال يحمد فضله ... وآخر ذو مال وليس له فضل
وما سبقت من جاهل قطّ نعمة ... إلى أحد إلّا أضرّ بها الجهل
وذو الّلبّ إن لم يعط أحمدت عقله ... وإن هو أعطى زانه القول والفعل
وقال محمد بن مناذر:
وترى الناس كثيرا فإذا ... عدّ أهل العقل قلّوا في العدد
لا يقلّ المرء في القصد ولا ... يعدم القلّة من لم يقتصد
لا تعد شرّا وعد خيرا ولا ... تخلف الوعد وعجّل ما تعد
لا تقل شعرا ولا تهمم به ... وإذا ما قلت شعرا فأجد
ولآخر:
يعرف عقل المرء في أربع ... مشيته أولها والحرك
ودور عينيه، وألفاظه ... بعد عليهنّ يدور الفلك
وربّما أخلفن إلّا التي ... آخرها منهنّ سمّين لك
هذي دليلات على عقله ... والعقل في أركانه كالملك
إن صحّ صح المرء من بعده ... ويهلك المرء إذا ما هلك
فانظر إلى مخرج تدبيره ... وعقله ليس إلى ما ملك
فربما خلّط أهل الحجا ... وقد يكون النّوك في ذي النّسك «1»
فإن إمام سال عن فاضل ... فادلل على العاقل لا أمّ لك
هوذة وكسرى:
وكان هوذة بن علي الحنفيّ يجير لطيمة كسرى في كل عام- واللطيمة عير تحمل الطيب والبزّ- فوفد على كسرى، فسأله عن بنيه، فسمّى له عددا. فقال:
أيهم أحبّ إليك؟ قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يرجع، والمريض حتى يفيق «1» . فقال له: ما غذاؤك في بلدك؟ قال: الخبز. فقال كسرى لجلسائه: هذا عقل الخبز. يفضّله على عقول أهل البوادي الذين غذاؤهم اللبن والتمر.
وهوذة بن علي الحنفيّ هو الذي يقول فيه أعشى بكر:
من ير هوذة يسجد غير متّئب ... إذا تعصّب فوق التاج أو وضعا «2»
له أكاليل بالياقوت فصّلها ... صوّاغها لا ترى عيبا ولا طبعا
وقال أبو عبيدة عن أبي عمرو: لم يتتوّج معدّيّ قط، وإنما كانت التيجان لليمن.
فسألته عن هوذة بن علي الحنفي، فقال: إنما كانت خرزات تنظم له.
وقد كتب النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي يدعوه إلى الاسلام كما كتب إلى الملوك.
وفي بعض الحديث: إن الله عز وجل لما خلق العقل قال: أقبل! فأقبل، ثم قال له:
أدبر! فأدبّر. فقال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقا أحبّ إليّ منك، ولا وضعتك إلا في أحبّ الخلق إليّ. ولما خلق الحمق قال له: أقبل. فأدبر. ثم قال له: أدبر.
فأقبل. فقال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقا أبغض إليّ منك، ولا وضعتك إلا في أبغض الخلق إليّ.
وبالعقل أدرك الناس معرفة الله عز وجل؛ ولا يشكّ فيه أحد من أهل العقول؛ يقول الله عز وجل في جميع الأمم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
«3» .
وقال أهل التفسير في قول الله: قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ
«1» قالوا: لذي عقل.
وقالوا: ظن العاقل كهانة.
وقال الحسن البصري: لو كان للناس كلّهم عقول خربت الدنيا.
وقال الشاعر:
يعدّ رفيع القوم من كان عاقلا ... وإن لم يكن في قومه بحسيب
وإن حلّ أرضا عاش فيها بعقله ... وما عاقل في بلدة بغريب
وقالوا: العاقل بقي ماله بسلطانه، ونفسه بماله، ودينه بنفسه.
وقال الأحنف بن قيس: أنا للعاقل المدبر أرجى مني للأحمق المقبل.
قال: ولما أهبط الله عز وجل آدم عليه السلام إلى الأرض، أتاه جبريل عليه السلام، فقال له: يا آدم إن الله عز وجل قد حباك بثلاث خصال لتختار منها واحدة وتتخلى عن اثنتين؛ قال: وما هن؛ قال: الحياء والدين والعقل قال آدم: اللهم إني اخترت العقل. فقال جبريل عليه السلام للحياء والدين: ارتفعا؛ قالا: لن نرتفع.
قال جبريل عليه السلام: أعصيتما؟ قالا: لا، ولكنا أمرنا ألّا نفارق العقل حيث كان.
وقال صلّى الله عليه وسلم: لا تقتدوا بمن ليست له عقدة.
قال: وما خلق الله خلقا أحب إليه من العقل.
وكان يقال: العقل ضربان: عقل الطبيعة وعقل التجربة، وكلاهما يحتاج إليه ويؤدي إلى المنفعة.
وكان يقال: لا يكون أحد أحبّ إليك من وزير صالح وافر العقل كامل الأدب حنيك السن «1» بصير بالأمور، فإذا ظفرت به فلا تباعده، فإن العاقل ليس بمانعك نصيحته وإن جفت.
وكان يقال: غريزة قعل لا يضيع معها عمل.
وكان يقال: أجل الأشياء أصلا وأحلاها ثمرة: صالح الأعمال، وحسن الأدب، وعقل مستعمل.
وكان يقال: التجارب ليس لها غاية والعاقل منها في الزيادة. ومما يؤكد هذا قول الشاعر:
ألم تر أنّ العقل زين لأهله ... وأنّ كمال العقل طول التجارب
ومكتوب في الحكمة: إنّ العاقل لا يغترّ بمودّة الكذوب ولا يثق بنصيحته.
ويقال: من فاته العقل والفتوّة فرأس ماله الجهل.
ويقال: من عيّر الناس الشيء، ورضيه لنفسه فذاك الأحمق نفسه.
وكان يقال: العاقل دائم المودّة، والأحمق سريع القطيعة.
وكان يقال: صديق كل امريء عقله، وعدوّه جهله.
وكان يقال: المعجب لحوح والعاقل منه في مؤونة. وأما العجب فإنه الجهل والكبر.
وقيل: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
ويقال: ما شيء بأحسن من عقل زانه حلم، وحلم زانه علم، وعلم زانه صدق، وصدق زانه عمل، وعمل زانه رفق.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ليس العاقل من عرف الخير من الشر، بل العاقل من عرف خير الشّرّين.
ويقال: عدوّ عاقل أحبّ إليّ من صديق جاهل.
وكان يقال: الزم ذا العقل وذا الكرم واسترسل إليه «1» ، وإياك وفراقه إذا كان كريما، ولا عليك أن تصحب العاقل وإن كان غير محمود الكرم، لكن احترس من شين أخلاقه وانتفع بعقله؛ ولا تدع مواصلة الكريم وإن لم تحمد عقله، وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك، وفرّ الفرار كله من الأحمق اللئيم.
وكان يقال: قطيعة الأحمق مثل صلة العاقل.
وقال الحسن: ما أودع الله تعالى امرءا عقلا ما إلا استنقذه به يوما ما.
وأتى رجل من بني مجاشع إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست أفضل قومي؟
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك تقى فلك دين، وإن كان لك مال فلك حسب، وإن كان لك خلق فلك مروءة.
بين صفوان بن أمية وعمر:
قال: تفاخر صفوان بن أمية مع رجل، فقال صفوان: أنا صفوان بن أمية، بخ بخ «2» . فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ويلك! إن كان لك دين فإنّ لك حسبا، وإن كان لك عقل فإن لك أصلا، وإن كان لك خلق فلك مروءة، وإلا فأنت شرّ من حمار.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: كرم الرجل دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه.
وقال: وكّل الله عز وجل الحرمان بالعقل، ووكّل الرزق بالجهل؛ ليعتبر العاقل فيعلم أنّ ليس له في الرزق حيلة.
وقال بزرجمهر: لا ينبغي للعاقل أن يزل بلدا ليس فيه خمسة: سلطان قاهر، وقاض عدل، وسوق قائمة، ونهر جار، وطبيب عالم.
وقال أيضا: العاقل لا يرجو ما يعنّف برجائه، ولا يسأل ما يخاف منعه، ولا يمتهن ما لا يستعين بالقدرة عليه.
سئل أعرابي: أي الأسباب أعون على تذكية العقل، وأيّها أعون على صلاح السيرة؟ فقال: أعونها على تذكية العقل التعلّم، وأعونها على صلاح السيرة القناعة.
وسئل عن أجود المواطن أن يختبر فيه العقل؛ فقال: عند التدبير.
وسئل: هل يعمل العاقل بغير الصواب؟ فقال: ما كل ما عمل بإذن العقل فهو صواب.
وسئل: أيّ الأشياء أدل على عقل العاقل؟ قال: حسن التدبير. وسئل: أيّ منافع العقل أعظم؟ قال: اجتناب الذنوب.
وقال بزرجمهر: أفره «1» ما يكون من الدواب لا غنى بها عن السوط، وأعفّ من تكون من النساء لا غنى بها عن الزوج، وأعقل من يكون من الرجال لا غنى به عن مشورة ذوي الألباب.
سئل أعرابي عن العقل متى يعرف؟ قال: إذا نهاك عقلك عما لا ينبغي فأنت عاقل.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: العقل نور في القلب نفرّق به بين الحق والباطل، وبالعقل عرف الحلال والحرام، وعرفت شرائع الإسلام ومواقع الأحكام، وجعله الله نورا في قلوب عباده يهديهم إلى هدى، ويصدّهم عن ردى.
ومن جلالة قدر العقل أنّ الله تعالى لم يخاطب إلا ذوي العقول. فقال عز وجل:إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ
«1» . وقال: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
«2» . أي عاقلا.
وقال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ
«3» . أي لمن كان له عقل.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: العاقل يحلم عمن ظلم، ويتواضع لمن هو دونه، ويسابق إلى البرّ من فوقه. وإذا رأى باب برّ انتهزه، وإذا عرضت له فتنة اعتصم بالله وتنكّبها «4» .
وقال صلّى الله عليه وسلم: قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له.
وإذا كان العقل أشرف أعلاق النفس، وكان بقدر تمكّنه فيها يكون سموّها لطلب الفضائل وعلوها لابتغاء المنازل، كانت قيمة كل امريء عقله، وحليته التي يحسن بها في أعين الناظرين فضله.
ولعبد الله بن محمد:
تأمّل بعينيك هذا الأنام ... وكن بعض من صانه نبله
فحلية كلّ فتى فضله ... وقيمة كلّ امرء عقله
ولا تتّكل في طلاب العلا ... على نسب ثابت أصله
فما من فتى زانه أهله ... بشيء وخالفه فعله
ويقال: العقل إدراك الأشياء على حقائقها فمن أدرك شيئا على حقيقته فقد كمل عقله.
وقيل: العقل مرآة الرجل.
أخذه بعض الشعراء فقال:
عقل هذا المرء مرآ ... ة ترى فيها فعاله
فإذا كان عليها ... صدأ فهو جهاله
وإذا أخلصه الله صقالا «1» وصفا له ... فهي تعطي كلّ حيّ ناظر فيها مثاله
ولآخر:
لا تراني أبدا أك ... رم ذا المال لماله
لا ولا تزرى بمن يع ... قل عندي سوء حاله
إنما أقضي على ذا ... ك وهذا بفعاله
أنا كالمرآة ألقى ... كلّ وجه بمثاله
كيفما قلّبني الدّه ... ر يجدني من رجاله
ولبعضهم:
إذا لم يكن للمرء عقل فإنّه ... وإن كان ذا نبل على الناس هيّن
وإن كان ذا عقل أجلّ لعقله ... وأفضل عقل عقل من يتديّن
وقال آخر:
إذا كنت ذا عقل ولم تك ذا غنى ... فأنت كذي رحل وليس له بغل
وإن كنت ذا مال ولم تك عاقلا ... فأنت كذي بغل وليس له رحل
ويقال: إنّ العقل عين القلب، فإذا لم يكن للمرء عقل كان قلبه أكمه «2» . وقال صالح بن جناح:
ألا إنّ عقل المرء عينا فؤاده ... وإن لم يكن عقل فلا يبصر القلب
وقال بعض الفلاسفة: الهوى مصاد العقل.
ولعبد الله بن محمد: ثلاث من كنّ فيه حوى الفضل وإن كان راغبا عن سواها:
صحة العقل، والتمسك بالعدل، وتنزيه نفسه عن هواها.
ولمحمد بن الحسين بن دريد:
وآفة العقل الهوى فمن علا ... على هواه عقله فقد نجا
وقال بعض الحكماء: ما عبد الله بشيء أحبّ إليه من العقل، وما عصي بشيء أحبّ إليه من السّتر.
وقال مسلمة بن عبد الملك: ما قرأت كتابا قط لأحد إلا عرفت عقله منه.
وقال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاب يدل على عقل كاتبه، والرسول يدل على عقل مرسله، والهديّة تدل على عقل مهديها.
بين عمر بن عبد العزيز ورجل من أعوانه:
واستعمل عمر بن عبد العزيز رجلا، فقيل له: إنه حديث السن ولا نراه يضبط عملك؛ فأخذ العهد منه وقال: ما أراك تضبط عملك لحداثتك؛ فقال الفتى:
وليس يزيد المرء جهلا ولا عمى ... إذا كان ذا عقل، حداثة سنّه
فقال عمر: صدق، وردّ عليه عهده.
وقال جثّامة بن قيس يصف عاقلا:
بصير بأعقاب الأمور كأنّما ... تخاطبه من كلّ أمر عواقبه
ولغيره في المعنى:
بصير بأعقاب الأمور كأنّما ... يرى بصواب الرأي ما هو واقع
وقال شبيب بن شيبة لخالد بن صفوان: إني لأعرف أمرا لا يتلاقى فيه اثنان إلا وجب النّجح بينهما؛ قال له خالد: ما هو؟ قال العقل، فإنّ العاقل لا يسأل إلا ما يجوز، ولا يردّ عما يمكن. فقال له خالد: نعيت اليّ نفسي، إنّا أهل بيت لا يموت منا أحد حتى يرى خلفه.
وقال عبد الله بن الحسين لابنه محمد: يا بني، احذر الجاهل وإن كان لك ناصحا كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوّا؛ ويوشك الجاهل أن تورّطك مشورته في بعض اغترارك «1» فيسبق إليك مكر العاقل؛ وإيّاك ومعاداة الرجال، فإنك لا تعدمنّ منها مكر حليم عاقل، أو معاندة جاهل.
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: لا مال أعود من عقل، ولا فقر أضرّ من جهل.
ويقال: لا مروءة لمن لا عقل له.
وقال بعض الحكماء: لو استغنى أحد عن الأدب لاستغنى عنه العاقل، ولا ينتفع بالأدب من لا عقل له، كما لا ينتفع بالرياضة إلا النجيب.
وكان يقال: بالعقل تنال لذة الدنيا، لأنّ العاقل لا يسعى إلا في ثلاث: مزيّة لمعاش، أو منفعة لمعاد، أو لذة في غير محرم.
ولبعضهم:
إذا أحببت أقواما فلاصق ... بأهل العقل منهم والحياء
فإنّ العقل ليس له إذا ما ... تفاضلت الفضائل من كفاء «2»
لمحمد بن يزيد:
وأفضل قسم الله للمرء عقله ... وليس من الخيرات شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى بالعقل في الناس إنّه ... على العقل يجري علمه وتجاربه
ومن كان غلّابا بعقل ونجدة ... فذو الجدّ في أمر المعيشة غالبه
فزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محصورا عليه مكاسبه
وشين الفتى في الناس قلّة عقله ... وإن كرمت أعراقه ومناسبه «3»
ولبعضهم:
العقل يأمر بالعفاف وبالتّقي ... وإليه يأوي الحلم حين يؤول «1»
فإن استطعت فخذ بفضلك فضله ... إن العقول يرى لها تفضيل
ولبعضهم:
إذا جمّع الآفات فالبخل شرّها ... وشرّ من البخل المواعيد والمطل «2»
ولا خير في عقل إذا لم يكن غنى ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
وإن كان للإنسان عقل فعقله ... هو النّصل والإنسان من بعده فضل
ولبعضهم:
يمثل ذو العقل في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا
فإن نزلت بغتة لم ترعه ... لما كان في نفسه مثّلا «3»
رأى الهمّ يفضي إلى آخر ... فصيّر آخره أوّلا
وذو الجهل يأمن أيّامه ... وينسى مصارع من قد خلا «4»












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید