المنشورات

الحكمة

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: ما أخلص عبد العمل لله أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
وقال عليه الصلاة والسلام: الحكمة ضالة «5» المؤمن، يأخذها ممن سمعها ولا يبالي من أيّ وعاء خرجت.
وقال عليه الصلاة والسلام: لا تضعوا الحكمة عند غير اهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
وقال الحكماء: لا يطلب الرجل حكمة إلا بحكمة عنده.
وقالوا: إذا وجدتم الحكمة مطروحة على السكك «1» فخذوها.
وفي الحديث: خذوا الحكمة ولو من ألسنة المشركين.
وقال زياد: أيها الناس، لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا أن تنتفعوا بأحسن ما تسمعون منا؛ فإن الشاعر يقول:
اعمل بعلمي وإن قصّرت في عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري
نوادر من الحكمة
قيل لقسّ بن ساعدة: ما أفضل المعرفة؟ قال: معرفة الرجل نفسه.
قيل له: فما أفضل العلم؟ قال: وقوف المرء عند علمه. قيل له: فما أفضل المروءة؟ قال: استبقاء الرجل ماء وجهه.
وقال الحسن: التقدير نصف الكسب، والتّؤدة «2» نصف العقل، وحسن طلب الحاجة نصف العلم.
وقالوا: لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق، ولا غنى كرضا عن الله، وأحقّ ما صبر عليه ما ليس إلى تغييره سبيل.
وقالوا: أفضل البرّ الزحمة، ورأس المودة الاسترسال، ورأس العقوق مكاتمة الأدنين «3» ، ورأس العقل الإصابة بالظن.
وقالوا: التفكّر نور والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والعلم حياة، والأول سابق، والآخر لاحق، والسعيد من وعظ بغيره.
ابن الظرب وحمة في مجلس ملك حمير:
حدّث أبو حاتم قال: حدثني أبو عبيدة قال: حدّثني غير واحد من هوازن من أولى العلم، وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية- قالوا: اجتمع عمرو بن الظّرب العدواني، وحممة بن رافع الدّوسي- ويزعم النّسّاب أن ليلى بنت الظّرب أم دوس، وزينب بنت الظرب أمّ ثقيف- عند ملك من ملوك حمير، فقال: تساءلا حتى أسمع ما تقولان. فقال عمرو لحممة: أين تحبّ أن تكون أياديك؟ قال: عند ذي الرّثية العديم، وعند ذي الخلّة الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضيم. قال: من أحقّ الناس بالمقت «1» ؟ قال: الفقير المختال، والضعيف الصّوّال، والعيّ القوّال. قال: فمن أحقّ الناس بالمنع؟ قال: الحريص الكاند، والمستميد الحاسد، والملحف الواجد «2» .
قال: من أجدر الناس بالصنيعة؟ قال: من إذا أعطي شكر، وإذا منع عذر، وإذا مطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر. قال: من أكرم الناس عشرة؟ قال: من إذا قرب منح، وإذا بعد مدح وإذا ظلم صفح، وإذا ضويق سمح. قال: من ألأم الناس؟
قال: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك كنع، ظاهره جشع، وباطنه طبع. قال: فمن أحلم الناس؟ قال: من عفا إذا قدر، وأجمل إذا انتصر، ولم تطغه عزة الظّفر: قال: فمن أحزم الناس؟ قال: من أخذ رقاب الامور بيديه، وجعل العواقب نصب عينيه، ونبذ التهيّب دبر أذنيه «3» . قال: فمن أخرق الناس؟ قال: من ركب الخطار، واعتسف العثار «4» ، وأسرع في البدار «5» قبل الاقتدار. قال: من أجود الناس؟ قال: من بذل الموجود، ولم يأس على المعهود. قال: من أبلغ الناس؟
قال: من جلّى المعنى المزيز باللفظ الوجيز، وطبّق المفصل قبل التحريز. قال: من أنعم الناس عيشا؟ قال: من تحلّى بالعفاف، ورضي بالكفاف، وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف. قال: فمن أشقى الناس؟ قال: من حسد على النّعم، وسخط على القسم، واستشعر النّدم، على فوت ما لم يحتم. قال: من أغنى الناس، قال: من استشعر اليأس، وأظهر التجمّل للناس، واستكثر قليل النعم، ولم يسخط على القسم.
قال: فمن أحكم الناس؟ قال: من صمت فادّكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر.
قال: من أجهل الناس؟ قال: من رأى الخرق مغنما، والتجاوز مغرما.
لأبي عبيد في تفسير غريب ما سبق:
وقال أبو عبيدة: الخلّة: الحاجة، والخلّة: الصداقة. والكاند: الذي يكفر النعمة، والكنود:
الكفور. والمستعيد: مثل المستمير، وهو المستعطي، ومنه اشتقاق المائدة لأنها تماد.
وكنع: تقبّض، يقال منه: تكنّع جلده، إذا تقبّض، يريد أنه ممسك بخيل. والجشع:
أسوأ الحرص. والطّبع: الدّنس. والاعتساف: ركوب الطريق على غير هداية، وركوب الأمر على غير معرفة. والمزيز: من قولهم: هذا أمزّ من هذا، أي أفضل منه وأزيد. والمطبّق من السيوف: الذي يصيب المفاصل لا يجاوزها.
وقال عمرو بن العاص: ثلاث لا أناة «1» فيهن: المبادرة بالعمل الصالح، ودفن الميت، وتزويج الكفء.
وقال: ثلاثة لا يندم على ما سلف إليهم: الله عز وجل فيما عمل له، والمولى الشّكور فيما أسدي إليه «2» ، والأرض الكريمة فيما بذر فيها.
وقالوا: ثلاثة لا بقاء لها: ظلّ الغمام، وصحبة الأشرار؛ والثناء الكاذب.
وقالوا: ثلاثة لا تكون إلا في ثلاثة. الغنى في النفس، والشرف في التواضع، والكرم في التقوى.
وقالوا: ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة: ذو اليأس لا يعرف إلا عند الّلقاء، وذو الأمانة لا يعرف إلا عند الأخذ والعطاء، والإخوان لا يعرفون إلا عند النوائب «3» .
وقالوا: من طلب ثلاثة لم يسلم من ثلاثة: من طلب المال بالكيمياء لم يسلم من الإفلاس؛ ومن طلب الدين بالفلسفة لم يسلم من الزندقة، ومن طلب الفقه بغرائب الحديث لم يسلم من الكذب.
وقالوا: عليكم بثلاث: جالسوا الكبراء، وخالطوا الحكماء، وسائلوا العلماء.
وقالوا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: أخوف ما أخاف عليكم: شحّ مطاع،وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه.
واجتمعت علماء العرب والعجم على أربع كلمات: لا تحمل على ظنّك ما لا تطيق:
ولا تعمل عملا لا ينفعك، ولا تغترّ بامرأة، ولا تثق بمال وإن كثر.
وقال الرياحيّ في خطبته بالمربد: يا بني رياح، لا تحقروا صغيرا تأخذون عنه، فإني أخذت من الثعلب روغانه «1» ، ومن القرد حكايته، ومن السّنّور ضرعه «2» ، ومن الكلب نصرته، ومن ابن آوى حذره؛ ولقد تعلمت من القمر سير الليل، ومن الشمس ظهور الحين بعد الحين.
وقالوا: ابن آدم هو العالم الكبير الذي جمع الله فيه العالم كلّه، فكان فيه بسالة الليث، وصبر الحمار، وحرص الخنزير، وحذر الغرب، وروغان الثعلب، وضرع السّنّور، وحكاية القرد، وجبن الصّفرد «3» .
ولما قتل كسري بزرجمهر وجد في منطقته مكتوبا: إذا كان الغدر في الناس طباعا فالثقة بالناس عجز، وإذا كان القدر حقّا فالحرص باطل، وإذا كان الموت راصدا فالطمأنينة حمق.
وقال أبو عمرو بن العلاء: خذ الخير من أهله. ودع الشر لأهله.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها.
وقال: بع الحيوان أحسن ما يكون في عينك.
وقال: فرّقوا بين المنايا، واجعلوا من الرأس رأسين، ولا تلبثوا بدار معجزة.
وقالوا: إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء سمج الثناء «4» .
وفي كتاب للهند: ينبغي للعاقل أن يدع التماس ما لا سبيل إليه، وإلا عدّ جاهلا، كرجل أراد أن يجري السفن في البرّ والعجل في البحر، وذلك ما لا سبيل إليه.
وقالوا: إحسان المسيء أن يكفّ عنك أذاه، وإساءة المحسن أن يمنعك جدواه.
وقال الحسن البصري: اقدعوا «1» هذه النفوس فإنها طلعة، وحادثوها بالذّكر فإنها سريعة الدّثور؛ فإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية.
يقول: حادثوها بالحكمة كما يحادث السيف بالصّقال، فإنها سريعة الدّثور: يريد الصدأ الذي يعرض للسيف. واقدعوها: من قدعت أنف الجمل، إذا دفعته، فإنها طلعة: يريد متطلّعة إلى الأشياء.
قال أردشير بن بابك: إنّ للآذان مجّة وللقلوب مللا؛ ففرّقوا بين الحكمتين يكن ذلك استحماما.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید