المنشورات

آفات البلاغة

لأبي داود الإيادي:
قال محمد بن منصور كاتب إبراهيم، وكان شاعرا راويا، وطالبا للنحو علّامة- قال: سمعت أبا داود الإيادي، وجرى شيء من ذكر الخطب وتمييز الكلام، فقال:
تلخيص المعاني رفق، والاستعانة بالغريب عجز، والتشادق «2» في غير أهل البادية نقص، والنظر في عيوب الناس عيّ، ومسّ اللحية هلك، والخروج مما بني عليه الكلام إسهاب.
قال: وسمعته يقول: رأس الخطابة الطّبع، وعمودها الدربة [وجناحاها رواية الكلام] «1» ، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر اللفظ، والمحبة مقرونة بعلّة الاستكراه.
وأنشدني بيتا في خطباء إياد:
يومون باللفظ الخفيّ وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرّقباء
للفضل في الإيجاز:
وقال ابن الأعرابي: قلت للفضل: ما الإيجاز عندك؟ قال حذف الفضول، وتقريب البعيد.
وتكلم ابن السماك يوما وجارية له تسمع؛ فلما دخل قال لها: كيف سمعت كلامي؟ قالت: ما أحسنه لولا أنك تكثر ترداده! قال: أردّده حتى يفهمه من لم يفهمه. قالت: إلى أن يفهمه من لم يفهمه يكون قد ملّه من فهمه.
باب الحلم ودفع السيئة بالحسنة
قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
«2» .
وقال رجل لعمرو بن العاص: والله لأتفرّغنّ لك. قال: هنا لك وقعت في الشّغل.
قال: كأنك تهدّدني، والله لئن قلت لي كلمة لأقولنّ لك عشرا. قال: وأنت والله لئن قلت لي عشرا لم أقل لك واحدة.
وقال رجل لأبي بكر رضي الله عنه: والله لأسبّنّك سبّا يدخل القبر معك. قال:
معك يدخل لا معي.
وقيل لعمرو بن عبيد: لقد وقع فيك اليوم أبو أيوب السختياني حتى رحمناك.
قال: إياه فارحموا.
وشتم رجل الشّعبي، فقال له: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك.
وشتم رجل أبا ذرّ، فقال: يا هذا، لا تغرق في شتمنا ودع للصّلح موضعا، فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
ومرّ المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام بقوم من اليهود فقالوا له شرّا، فقال خيرا. فقيل له: إنهم يقولون شرّا وتقول لهم خيرا. فقال: كلّ واحد ينفق مما عنده.
وقال الشاعر:
ثالبني عمرو وثالبته ... فأثّم المثلوب والثّالب «1»
قلت له خيرا وقال الخنى ... كلّ على صاحبه كاذب «2»
وقال آخر:
وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه حين ليس له حلم
إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السّفاهة والإثم «3»
فداريته بالحلم والمرء قادر ... على سهمه ما كان في كفّه السهم
عن النبي صلّى الله عليه وسلم: ما تجرّع عبد في الدنيا جرعة أحبّ إلى الله من جرعة غيظ ردّها بحلم، أو جرعة مصيبة ردّها بصبر.
وكتب رجل إلى صديق له وبلغه أنه وقع فيه:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة ... لقد سرّني أنّي خطرت ببالكا
وأنشد طاهر بن عبد العزيز:
إذا ما خليلي أسا مرّة ... وقد كان من قبل ذا مجملا «4»
تحمّلت ما كان من ذنبه ... فلم يفسد الآخر الأوّلا










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید