المنشورات

الثقلاء

قالت عائشة رضي الله عنها: نزلت آية في الثقلاء: فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ
«1» .
وقال الشّعبي: من فاتته ركعتا الفجر فليلعن الثّقلاء.
وقيل لجالينوس: بم صار الرجل الثّقيل أثقل من الحمل الثقيل، فقال: لأنّ الرجل الثقيل إنما ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين فيه القلب بالجوارح.
وقال سهل بن هارون، من ثقل عليك بنفسه، وغمّك بسؤاله، فأعره أذنا صمّاء، وعينا عمياء.
وكان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه.
وكان الأعمش إذا حضر مجلسه ثقيل يقول:
فما الفيل تحمله ميّتا ... بأثقل من بعض جلّاسنا
وقال أبو حنيفة للأعمش وأتاه عائدا في مرضه: لولا أن أثقل عليك أبا محمد لعدتك والله في كل يوم مرتين. فقال له الأعمش. والله يا بن أخي أنت ثقيل عليّ وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين.
وذكر رجل ثقيلا كان يجلس إليه، فقال: والله إنّي لأبغض شقّي «2» الذي يليه إذا جلس إليّ.
ونقش رجل على خاتمه: أبرمت «3» فقم. فكان إذا جلس إليه ثقيل ناوله إياه وقال: اقرأ ما على هذا الخاتم.
وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قال: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ
«4» .
وقال بشّار العقيلي في ثقيل يكنى أبا عمران:
ربّما يثقل الجليس وإن كا ... ن خفيفا في كفّة الميزان
ولقد قلت إذ أظلّ على القو ... م ثقيل يربي على ثهلان «1»
كيف لا تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا عمران
ولآخر:
أنت يا هذا ثقيل ... وثقيل وثقيل
أنت في المنظر إنسا ... ن وفي الميزان فيل
وقال الحسن بن هانيء في رجل ثقيل:
ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سرّه رغم أنفي ألم «2»
أقول له إذ بدا لا بدا ... ولا حملته إلينا قدم
فقدت خيالك لا من عمى ... وصوت كلامك لا من صمم
وله فيه:
وما أظنّ القلاص منجيتي ... منك ولا الفلك أيّها الرجل
ولو ركبت البراق أدركني ... منك على نأي دارك الثّقل «3»
هل لك فيما ملكته هبة ... تأخذه جملة وترتحل
وله فيه:
يا من على الجلّاس كالفتق ... كلامك التخديش في الحلق
هل لك في مالي وما قد حوت ... يداي من جلّ ومن دقّ
تأخذه منّي كذا فدية ... واذهب ففي البعد وفي السّحق
وله فيه:
ألا يا جبل المقت الّ ... ذى أرسى فما يبرح
لقد أكثرت تفكيري ... فما أدري لما تصلح
فما تصلح أن تهجى ... ولا تصلح أن تمدح
أهدى رجل من الثقلاء إلى رجل من الظرفاء جملا، ثم نزل عليه حتى أبرمه، فقال فيه:
يا مبرما أهدى جمل ... خذ وانصرف ألفي جمل
قال وما أوقارها؟ قلت زبيب وعسل «1»
قال ومن يقودها ... قلت له ألفا رجل
قال ومن يسوقها ... قلت له ألفا بطل
قال وما لباسهم ... قلت حليّ وحلل
قال وما سلاحهم ... قلت سيوف وأسل «2»
قال عبيد لي إذن ... قلت نعم ثم خول
قال بهذا فاكتبوا ... إذن عليكم لي سجلّ
قلت له ألفي سجلّ ... فاضمن لنا أن ترتحل
قال وقد أضجرتكم ... قلت أجل ثم أجل
قال وقد أبرمتكم ... قلت له الأمر جلل «3»
قال وقد أثقلتكم ... قلت له فوق الثّقل
قال فإنّي راحل ... قلت العجل ثم العجل
يا كوكب الشّؤم ومن ... أربى على نحس زحل
يا جبلا من جبل ... في جبل فوق جبل
وقال الحمدوني في رجل بغيض مقيت.
أبا بن البغيضة وابن البغيض ... ومن هو في البغض لا يلحق
سألتك بالله إلّا صدقت ... وعلمي بأنّك لا تصدق
أتبغض نفسك من بغضها ... وإلّا فأنت إذن أحمق
وله فيه:
في حريم النّاس إذ كن ... ت من النّاس تعدّ
ولقد أنبئت إبلي ... س إذا راك يصدّ «1»
ولحبيب الطائي في مثله، أي في رجل مقيت:
يا من تبرّمت الدّنيا بطلعته ... كما تبرّمت الأجفان بالرّمد
يمشي على الأرض مختالا فأحسبه ... لبغض طلعته يمشي على كبدي
لو أنّ في الأرض جزءا من سماجته ... لم يقدم الموت إشفاقا على أحد
وللحسن بن هانيء في الفضل الرقاشي:
رأيت الرّقاشيّ في موضع ... وكان إليّ بغيضا مقيتا
فقال اقترح بعض ما تشتهي ... فقلت اقترحت عليك السّكوتا
وانشدني الشعبي:
إني بليت بمعشر ... نوكى أخفّهم ثقيل
بله إذا جالستهم ... صدئت لقربهم العقول
لا يفهموني قولهم ... ويدقّ عنهم ما أقول
فهم كثير بي كما ... أنّي بقربهم قليل
وقال العتبي: كتب الكسائيّ إلى الرقاشيّ:
شكوت إلينا مجانينكم ... وأشكو إليك مجانيننا
وأنشأت تذكر قذّاركم ... فأنتن وأقذر بمن عندنا
فلولا السلامة كنا كهم ... ولولا البلاء لكانوا كنا «2»
وقال حبيب الطائي:
وصاحب لي مللت صحبته ... أفقدني الله شخصه عجلا
سرقت سكّينه وخاتمه ... أقطع ما بيننا فما فعلا
وقال حبيب:
يا من له في وجهه إذ بدا ... كنوز قارون من البغض
لو فرّ شيء قطّ من شكله ... فرّ إذن بعضك من بعض
كونك في صلب أبينا الذي ... أهبطنا جمعا إلى الأرض
وقال أبو حاتم: وأنشدني أبو زيد الأنصاري النحوي صاحب النوادر:
وجه يحيى يدعو إلى البصق فيه ... غير أنّي أصون عنه بصاقي
قال أبو حاتم: وأنشدني العتبي:
له وجه يحلّ البصق فيه ... ويحرم أن يلقّى بالتّحيّه
قال: وأنشدني:
قميص أبي أميّة، ما علمتم ... وأوسخ منه جلد أبي أميّة












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید