المنشورات

فساد الإخوان

قال أبو الدرداء: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فصاروا شوكا لا ورق فيه.
وقيل لعروة بن الزّبير: ألا تنتقل إلى المدينة؟ قال: ما بقي بالمدينة إلا حاسد على نعمة، أو شامت بمصيبة.
الخشني «4» ، قال: أنشدني الرياشي:
إذا ذهب التّكرّم والوفاء ... وباد رجاله وبقي الغثاء «5»
وأسلمني الزّمان إلى رجال ... كأمثال الذّئاب لها عواء
صديق كلّما استغنيت عنهم ... وأعداء إذا جهد البلاء
إذا ما جئتهم يتدافعوني ... كأنّي أجرب آذاه داء
أقول ولا ألام على مقال ... على الإخوان كلّهم العفاء «1»
وقالت الحكماء: لا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له، واصطناع من لا شكر عنده. والكريم يودّ الكريم عن لقية واحدة، واللئيم لا يصل أحدا إلا عن رغبة أو رهبة.
وفي كتاب للهند: إن الرجل السّوء لا يتغير عن طبعه، كما أن الشجرة المرّة لو طليتها بالعسل لم تثمر إلا مرّا.
وسمع رجل أبا العتاهية ينشد:
فارم بطرفك حيث شئ ... ت فلا ترى إلّا بخيلا
وقال أيضا في هذا المعنى:
لله درّ أبيك أيّ زمان ... أصبحت فيه وأيّ أهل زمان
كلّ يوازنك المودّة جاهدا ... يعطي ويأخذ منك بالميزان
فإذا رأى رجحان حبّة خردل ... مالت مودّته إلى الرّجحان
وقال:
أرى قوما وجوههم حسان ... إذا كانت حوائجهم إلينا
وإن كانت حوائجنا إليهم ... يقبّح حسن أوجههم علينا
فإن منع الأشحّة ما لديهم ... فإنّا سوف نمنع ما لدينا
وقال:
موالينا إذا احتاجوا إلينا ... وليس لنا احتياج للموالي
للبكري:
وخليل لم أخنه ساعة ... في دمي كفّيه ظلما قد غمس
كان في سرّي وجهري ثقتي ... لست عنه في مهمّ أحترس
ستر البغض بألفاظ الهوى ... وادّعى الودّ بغشّ ودلس «1»
إن رآني قال لي خيرا وإن ... غبت عنه قال شرّا ودحس «2»
ثم لمّا أمكنته فرصة ... حمل السيف على مجرى النّفس
وأراد الرّوح لكن خانه ... قدر أيقظ من كان نعس
وأنشد العتبي:
إذا كنت تغضب من غير ذنب ... وتعتب من غير جرم عليّا
طلبت رضاك فإن عزّني ... عددتك ميتا وإن كنت حيّا
فلا تعجبنّ بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديّا
وقال ابن أبي حازم:
وصاحب كان لي وكنت له ... أشفق من والد على ولد
كنّا كساق تسعى بها قدم ... أو كذراع نيطت إلى عضد
حتّى إذا دانت الحوادث من ... عظمي وحلّ الزّمان من عقدي «3»
ازورّ عنّي وكان ينظر من ... طرفي ويرمي بساعدي ويدي «4»
وقال:
وخلّ كان يخفض لي جناحا ... أفاد غنى فنابذني جماحا «5»
فقلت له ولي نفس عزوف ... إذا حميت تقحّمت الرّماحا «6»
سأبدل بالمطامع فيك يأسا ... وباليأس استراح من استراحا
وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:
وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا
فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلّا تماديا
كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا
وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا
وقال البحتري:
أشرّق أم أغرّب يا سعيد ... وأنقص من ذمامي أو أزيد
عدتني عن نصيبين العوادي ... فبختي أبله فيها بليد «1»
وخلّفني الزّمان على رجال ... وجوههم وأيديهم حديد
لهم حلل حسنّ فهنّ بيض ... وأخلاق سمجن فهنّ سود
ألا ليت المقادر لم تقدّر ... ولم تكن العطايا والجدود «2»
وقال ابن أبي حازم:
وقالوا: لو مدحت فتى كريما ... فقلت وكيف لي بفتى كريم!
بلوت ومرّ بي خمسون حولا ... وحسبك بالمجرّب من عليم
فلا أحد يعدّ ليوم خير ... ولا أحد يعود على عديم «3»
وقال:
قد بلوت الناس طرّا ... لم أجد في الناس حرّا
صار حلو الناس في العي ... ن إذا ما ذيق مرّا
وقال:
من سلا عنّي أطلق ... ت حبالي من حباله
أو أجدّ الوصل سارعت ... ت بجهدي في فصاله
إنما أحذوا على فع ... ل صديقي بمثاله
غير مستجد إذا ازورّ ك ... أنيّ من عياله
لن يراني أبدا أع ... ظم ذا مال لماله
لا ولا أزرى بمن يع ... قل عندي سوء حاله «1»
إنّما أقضي على ذا ... ك وهذا بفعاله
كيفما صرّفني الده ... ر فإني من رجاله
ومن قولنا في هذا المعنى:
أبا صالح جاءت على الناس غفلة ... على غفلة ماتت بكلّ كريم
فليت الألى بانوا يفادون بالألى ... أقاموا، فيفدى ظاعن بمقيم «2»
ويا ليتها الكبرى فتطوى سماؤنا ... لها وتمدّ الأرض مدّ أديم «3»
فما الموت إلا عيش كلّ مبخّل ... وما العيش إلا موت كلّ ذميم
وأعذر ما أدمى الجفون من البكا ... كريم رأى الدنيا بكفّ لئيم
ومثله في هذا المعنى:
أبا صالح، أين الكرام بأسرهم ... أفدني كريما فالكريم رضاء
أحقّا يقول الناس في جود حاتم ... وإبن سنان كان فيه سخاء «4»
عذيري من خلق تخلّق منهم ... غباء ولؤم فاضح وجفاء
حجارة بخل ما تجود وربّما ... تفجّر من صمّ الحجارة ماء
ولو أنّ موسى جاء يضرب بالعصا ... لما انبجست من ضربه البخلاء «5»
بقاء لئام الناس موت عليهم ... كما أنّ موت الأكرمين بقاء
عزيز عليهم أن تجود أكفّهم ... عليهم من الله العزيز عفاء
ومثله قولنا في هذا المعنى:
ساق ترنّح يشدو فوقه ساق ... كأنّه لحنين الصوت مشتاق
يا ضيعة الشّعر في بله جرامقة ... تشابهت منهم في الّلؤم أخلاق «1»
غلّت بأعناقهم أيد مقفّعة ... لا بوركت منهم أيد وأعناق «2»
كأنّما بينهم في منع سائلهم ... وحبس نائلهم عهد وميثاق
كم سقتهم بأماديحي وقدتهم ... نحو المعالي فما انقادوا ولا انساقوا
وإن نبابي في ساحاتهم وطن ... فالأرض واسعة والناس أفراق
ما كنت أول ظمآن بمهمهة ... يغرّه من سراب القفر رقراق
رزق من الله أرضاهم وأسخطني ... والله للأنوك المعتوه رزّاق
يا قابض الكفّ لا زالت مقبّضة ... فما أناملها للناس أرزاق
وغب إذا شئت حتى لا ترى أبدا ... فما لفقدك في الأحشاء إقلاق
ولا إليك سبيل الجود شارعة ... ولا عليك لنور المجد إشراق «3»
لم يكتنفني رجاء لا ولا أمل ... إلا تكنّفه ذلّ وإملاق
وقال مؤمّل بن سعيد في هذا المعنى:
إنّما أزرى بقدري أنّني ... لست من نابه أهل البلد
ليس منهم غير ذي مقلية ... لذوي الألباب أو ذي حسد «4»
يتحامون لقائي مثل ما ... يتحامون لقاء الأسد
طلعتي أثقل في أعينهم ... وعلى أنفسهم من أحد
لو رأوني وسط بحر لم يكن ... أحد يأخذ منهم بيدي










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید