المنشورات

باب في الكبر

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله تبارك وتعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما قصمته وأهنته» .
وقال عليه السلام: «لا يدخل حضرة القدس متكبر» .
وقال: «فضل الإزار في النار. معناه: من سحب ذيله في الخيلاء قاده ذلك إلى النار» .
ونظر الحسن إلى عبد الله بن الأهتم يخطر «1» في المسجد، فقال: انظروا إلى هذا؛ ليس منه عضو إلا والله عليه نعمة وللشيطان فيه لعنة.
وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه: يا بنيّ، إياك والكبر، وليكن فيما تستعين به على تركه علمك بالذي منه كنت، والذي إليه تصير. وكيف الكبر مع النطفة التي منها خلقت، والرّحم التي منها قذفت، والغذاء الذي به غذيت.
وقال يحيى بن حيّان: الشريف إذا تقوّى تواضع، والوضيع إذا تقوّى تكبّر.
وقال بعض الحكماء: كيف يستقر الكبر فيمن خلق من تراب، وطوي على القذر، وجرى مجرى البول! وقال الحسن: عجبا لابن آدم، كيف يتكبّر وفيه تسع سموم كلها يقذر.
وذكر الحسن المتكبرين فقال: يلفى أحدهم ينص «2» رقبته نصا، ينفض مذرويه «3» ، ويضرب أصدريه، يملخ في الباطن ملخا «4» ، يقول: ها أنا ذا فاعرفوني! قد عرفناك يا أحمق! مقتك الله ومقتك الصالحون.
ووقف عيينة بن حصن بباب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقال: استأذنوا لي على أمير المؤمنين وقولوا: هذا ابن الأخيار بالباب. فأذن له؛ فلما دخل عليه قال له:
أنت ابن الأخيار؟ قال: نعم. قال له: بل أنت ابن الأشرار، وأما ابن الأخيار فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وقيل لعبيد الله بن ظبيان: كثّر الله في العشيرة أمثالك. فقال: لقد سألتم الله شططا «1» .
وقيل لرجل من عبد الدّار عظيم الكبر: ألا تأتي الخليفة. قال: أخشى ألا يحمل الجسر شرفي.
وقيل له: ألا تلبس؟ فإنّ البرد شديد. قال: حسبي يدفئني.
للحجاج في أربعة:
قيل للحجاج: كيف وجدت منزلك بالعراق أيها الأمير؟ قال: خير منزل، لو أدركت بها أربعة نفر لتقرّبت إلى الله سبحانه وتعالى بدمائهم. قيل له: ومن هم؟
قال مقاتل بن مسمع، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما قدم البصرة بسط له الناس أرديتهم فمشى عليها. فقال: لمثل هذا فليعمل العاملون. وعبيد الله بن ظبيان، خطب خطبة أوجز فيها، فناداه الناس من أعراض المسجد: كثّر الله فينا أمثالك. قال: لقد كلّفتم ربّكم شططا. ومعبد بن زرارة، كان ذات يوم جالسا على طريق؛ فمرّت به امرأة فقالت: يا عبد الله، أين الطريق لمكان كذا؟ فقال: لمثلي يقال يا عبد الله؟ ويلك!. وأبو السّمّاك الحنفي، أضلّ ناقته فقال: والله لئن لم يردد عليّ ناقتي لا صلّيت أبدا.
وقال ناقل الحديث: ونسي الحجاج نفسه وهو خامس هؤلاء الأربعة، بل هو أشدّهم كبرا، وأعظمهم إلحادا، حين كتب إلى عبد الملك في عطسة عطسها فشمّته «2» أصحابه وردّ عليهم: بلغني ما كان من عطاس أمير المؤمنين وتشميت أصحابه له وردّه عليهم، فيا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
وكتابه إليه: إنّ خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من رسوله إليهم، وكذلك الخلفاء يا أمير المؤمنين أعلى منزلة من المرسلين.
العتبي قال: رأيت محرزا مولى باهلة يطوف على بغلة بين الصفا والمروة، ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد راجلا، فقلت له: أراجل أنت في مثل هذا الموضع؟ قال:
نعم، إني ركبت في موضع يمشي الناس فيه، فكان حقيقا على الله أن يرجلني في موضع يركب الناس فيه.
وقال بعض الحكماء لابنه: يا بني، عليك بالترحيب والبشر، وإياك والتقطيب والكبر؛ فإن الأحرار أحب إليهم أن يلقوا بما يحبون ويحرموا من أن يلقوا بما يكرهون ويعطوا؛ فانظر إلى خصلة غطت على مثل اللؤوم فالزمها، وانظر إلى خصلة عفّت على مثل الكرم فاجتنبها. ألم تسمع إلى قول حاتم الطائي:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنّما وجه الكريم خصيب
وقال محمود الوراق:
التّيه مفسدة للدين منقصة ... للعقل مجبلة للذم والسّخط
منع العطاء وبسط الوجه أحسن من ... بذل العطاء بوجه غير منبسط
وقال أيضا:
بشر البخيل يكاد يصلح بخله ... والتّيه مفسدة لكلّ جواد
ونقيصة تبقى على أيامه ... ومسبّة في الأهل والأولاد
وقال آخر في الكبر:
مع الأرض يا ابن الأرض في الطيران ... أتأمل أن ترقى إلى الدّبران «1»
فو الله ما أبصرت يوما محلّقا ... ولو حلّ بين الجدي والسرطان «1»
حماه مكان البعد من أن تناله ... بسهم من البلوى يد الحدثان «2»
التسامح مع النعمة والتذلل مع المصيبة
قالوا: من عزّ بإقبال الدهر ذلّ بإدباره.
وقالوا: من أبطره الغنى أذلّه الفقر.
وقالوا: من ولي ولاية يرى نفسه أكبر منها لم يتغيّر لها، ومن ولي ولاية يرى ولايته أكبر من نفسه تغيّر لها.
وقال يحيى بن حيّان: الشريف إذا تقوّى تواضع والوضيع إذا تقوّى تكبر.
وقال كسرى: احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع.
وكتب على بن الجهم إلى ابن الزيات:
أبا جعفر عرّج على خلطائكا ... وأقصر قليلا من مدى غلوائكا
فإن كنت قد أوتيت في اليوم رفعة ... فإنّ رجائي في غد كرجائكا
وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابيّ:
لقد عجبت منه الّليالي لأنّه ... صبور على عضلاء تلك البلابل «3»
إذا نال لم يفرح وليس لنكبة ... ألّمت به بالخاشع المتضائل
وقال الحسن بن هانيء:
ولقد حزنت فلم أمت حزنا ... ولقد فرحت فلم أمت فرحا
وكتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام يسأله عن حاله، فكتب إليه عليّ رضي الله عنه:
فإن تسألنّي كيف أنت فإنّني ... جليد على عضّ الزّمان صليب «1»
عزيز عليّ أن ترى بي كآبة ... فيفرح واش أو يساء حبيب











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید