المنشورات

لمحمد بن المنكدر:

أتى قوم من أهل القدر محمد بن المنكدر، فقالوا له: أنت الذي تقول إن الله يعذّب الخلق على ما قدّر عليهم؟ فصرف وجهه عنهم ولم يجبهم، فقالوا له: أصلحك الله! إن كنت لا تجيبنا فلا تخلنا من بركة دعائك؛ فقال: اللهم لا تردنا بعقوبتك، ولا تمكر بنا في حيلتك، ولا تؤاخذنا بتقصيرنا عن رضاك، قليل أعمالنا تقبل، وعظيم خطايانا تغفر، أنت الله الذ لم يكن شيء قبلك، ولا يكون شيء بعدك، ولي الأشياء، ترفع بالهدى من تشاء، لا من أحسن استغنى عن عونك، ولا من أساء غلبك، ولا استبدّ شيء عن حكومتك وقدرتك، لا ملجأ إلا إليك؛ فكيف لنا بالمغفرة وليست إلا في يديك؟ وكيف لنا بالرحمة وليست إلا عندك؟ حفيظ لا ينسى، وقديم لا يبلى، حيّ لا يموت؛ بك عرفناك، وبك اهتدينا إليك، ولولا أنت لم ندر ما أنت، سبحانك وتعاليت.
فقال القوم: قد والله أخبر وما قصّر.
وقال: ذكر القدر في مجلس الحسن البصري، فقال: إنّ الله خلق الخلق للابتلاء، لم يطيعوه بإكراه، ولم يعصوه بغلبة، لم يهملهم من الملك، وهو القادر على ما أقدرهم عليه، والمالك لما ملّكهم إياه، فإن يأتمر العباد بطاعة الله لم يكن مثبّطا لهم «1» . بل يزيدهم هدى إلى هداهم، وتقوى إلى تقواهم؛ وإن يأتمروا بمعصية الله كان الله قادرا على صرفهم إن شاء، وإن خلّى بينهم وبين المعصية فمن بعد إعذار وإنذار.








مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید