المنشورات

هشام وغيلان والأوزاعي:

قال هشام بن محمد السائب الكلبي: كان هشام بن عبد الله قد أنكر على غيلان التكلم في القدر، وتقدّم إليه في ذلك أشدّ التقدم، وقال له في بعض ما توعّده به من الكلام: ما أحسبك تنتهي حتى تنزل بك دعوة عمر بن عبد العزيز إذ احتجّ عليك في المشيئة بقول الله عز وجل: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
«1» فزعمت أنك لم تلق لها بالا. فقال عمر: اللهم إن كان كاذبا فاقطع يده ورجله ولسانه، واضرب عنقه.
فانته أولى لك، ودع عنك ما ضرّه إليك أقرب من نفعه. فقال له غيلان، لحينه وشقوته: ابعث إليّ يا أمير المؤمنين من يكلمني ويحتجّ عليّ، فإن أخذته حجتي أمسكت عني فلا سبيل لك إليّ، وإن أخذتني حجته فسألتك بالذي أكرمك بالخلافة إلا نفّذت فيّ ما دعا به عمر عليّ. فغاظ قوله هشاما. فبعث إلى الأوزاعي فحكى له ما قال لغيلان وما ردّ غيلان عليه؛ فالتفت إليه الأوزاعي فقال له: أسألك عن خمس أو ثلاث؟ فقال غيلان؛ عن ثلاث. قال الأوزاعي: هل علمت أن الله أعان على ما حرّم؟ قال غيلان: ما علمت وعظمت عنده. قال: فهل علمت أن الله قضى على ما نهى؟ قال غيلان: هذه أعظم، مالي بهذا من علم. قال: فهل علمت أن الله حال دون ما أمر؟ قال غيلان: حال دون ما أمر؟ ما علمت. قال الأوزاعي: هذا مرتاب من أهل الزّيغ. فأمر هشام بقطع يده ورجله، ثم ألقى به في الكناسة. فاحتوشه «2» الناس يعجبون من عظيم ما أنزل الله به من نقمته. ثم أقبل رجل كان كثيرا ما ينكر عليه المتكلم في القدر، فتخلل الناس حتى وصل إليه، فقال: يا غيلان، اذكر دعاء عمر.
فقال غيلان: أفلح إذا هشام، إن كان الذي نزل بي دعاء عمر أو بقضاء سابق فإنه.
لا حرج على هشام فيما أمر به فبلغت كلمته هشاما، فأمر بقطع لسانه وضرب عنقه، لتمام دعوة عمر. ثم التفت هشام إلى الأوزاعي وقال له قد قلت يا أبا عمرو ففسّر، فقال: نعم؛ قضى على ما نهى عنه: نهى آدم عن أكل الشجرة، وقضى عليه بأكلها.
وحال دون ما أمر، أمر إبليس بالسجود لآدم وحال بينه وبين ذلك. وأعان على ما حرّم، حرّم الميتة وأعان المضطر على أكلها.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید