المنشورات

أبو العتاهية وابن أشرس بين يدي المأمون:

ثمامة بن أشرس قال: دخل أبو العتاهية على المأمون لما قدم العراق، فأمر له بمال وجعل يحادثه، فقال له يوما: ما في الناس أجهل من القدريّة. فقال له المأمون: أنت بصناعتك أبصر، فلا تتخطاها إلى غيرها. قال له: يا أمير المؤمنين، أجمع وبين من شئت منهم. فأرسل إليّ، فدخلت عليه، فقال لي: هذا يزعم أنك وأصحابك لا حجّة عندكم. قلت: فليسأل عما بدا له. فحرّك أبو العتاهية يده وقال: من حرّك هذه؟ قلت: من ناك أمّه! فقال: يا أمير المؤمنين، شتمني. قلت له: نقضت أصلك يا ماص بظر أمّه! فضحك المأمون. فقلت له: يا جاهل! تحرّك يدك ثم تقول: من حرّكها؟ فإن كان الله حرّكها فلم أشتمك؛ وإن كنت أنت المحرّك لها فهو قولي.
قال له المأمون: عندك زيادة في المسألة.
قال الكندي في الفن التاسع من التوحيد: اعلم أنّ العالم كله مسوس بالقضاء والقدر- أعني بالقضاء- ما قسم لكل معلول مما هو أصلح وأحكم، وأتقن في بنية الكل، لأنه جل ثناؤه خلق وأبدع مضطرا ومختارا بتمام القدرة، فلما كان المختار غير تام الحكمة؛ لأنّ تمام الحكمة لمبدع الكل، كان لو أطلق واختياره لاختار كثيرا مما فيه فساد الكل، فقدّر جل ثناؤه بنية للكل تقديرا محكما، فصيّر بعضه سوانح لبعض «1» ، يختار بإرادته ومشيئته غير مقهور مما هو أصلح وأحكم في بنية الكل؛ فتقدير هذه السوانح هو القدر. فبالقضاء والقدر ساس جلّ ثناؤه جميع ما أبدع، فهذه السياسة المحكمة المتقنة التي لا يدخلها زلل ولا نقص. فاتضح أنّ كل معلول فيما قسم له ربّه من الأحوال لا خارج عنها، وأنّ بعض ذلك باضطرار وبعضه باختيار، وأن المختار عن سوانح قدره اختار، وبإرادته لا بالكره منه فعل.
سئل أعرابيّ عن القدر فقال: ذاك علم اختصمت فيه الظنون، وكثر فيه المختلفون، والواجب علينا أن نردّ ما أشكل من حكمه إلى ما سبق من علمه.
واصطحب مجوسيّ وقدري في سفر، فقال القدري للمجوسي: مالك لا تسلم قال: إن أذن الله في ذلك كان. قال: إنّ الله قد أذن، إلا أن الشيطان لا يدعك.
قال: فأنا مع أقواهما.
وقال رجل لهشام بن الحكم: أنت تزعم أنّ الله في فضله وكرمه وعدله كلّفنا ما لا نطيقه ثم يعذّبنا عليه؟ قال هشام: قد والله فعل، ولكن لا نستطيع أن نتكلم.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید