المنشورات

ردّ المأمون على الملحدين وأهل الأهواء

قال المأمون للثّنوي الذي تكلم عنده: أسألك عن حرفين لا أزيد عليهما: هل ندم مسيء قط على إساءته؟ قال: بلى. قال: فالندم على الإساءة إساءة أم إحسان؟ قال: بل إحسان. قال: فالذي ندم هو الذي أساء أم هو غيره؟ قال: بل هو الذي أساء. قال:
فأرى صاحب الخير هو صاحب الشرّ قال: فإني أقول: الذي ندم غير الذي أساء.
قال: فندم على شيء كان منه أم على شيء كان من غيره. فسكت.
وقال له أيضا: أخبرني عن قولك باثنين، هل يستطيع أحدهما أن يخلق خلقا لا يستعين فيه بصاحبه؟ قال: نعم. قال: فما تصنع باثنين؟ واحد يخلق كل شيء خير لك وأصحّ.
وقال المأمون للمرتدّ الخراساني الذي أسلم على يديه وحمله معه إلى العراق فارتدّ عن الإسلام، أخبرني: ما الذي أوحشك مما كنت به آنسا من ديننا؟ فو الله لأن أستحييك بحق أحبّ إليّ من أن أقتلك بحق، وقد صرت مسلما بعد أن كنت كافرا، ثم عدت كافرا بعد أن صرت مسلما. فإن وجدت عندنا دواء لدائك تداويت به، وإن أخطأك الشفاء ونبا عليك الدواء، كنت قد أبليت العذر في نفسك ولم تقصّر في الاجتهاد لها، فإن قتلناك قتلناك في الشريعة، وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار واليقين ولم تفرّط في الدخول من باب الحزم. قال المرتد: أوحشني منكم ما رأيت من الاختلاف في دينكم. قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كاختلافنا في الأذان، والتكبير في الجنائز، وصلاة العيدين والتشهد، والتسليم من الصلاة، ووجوه القراءات، واختلاف وجوه الفتيا، وما أشبه ذلك؛ وهذا ليس باختلاف، وإنما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من السنّة؛ فمن أذن مثنى وأقام مثنى لم يأثم، ومن ربّع لم يأثم.
والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتاب الله، وتأويل الحديث عن نبينا، مع اجتماعنا على أصل التنزيل، واتفاقنا على عين الخبر؛ فإن كان إنما أوحشك هذا فينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متّفقا على تأويله كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين اليهود والنصارى اختلاف في شيء من التأويلات ولو شاء الله أن ينزل كتبه مفسرة، ويجعل كلام أنبيائه ورسله لا يختلف في تأويله لفعل؛ ولكنّا لم نجد شيئا من أمور الدين والدّنيا وقع إلينا على الكفاية إلا مع طول البحث والتّحصيل والنظر، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحن، وذهب التفاضل والتباين، ولما عرف الحازم من العاجز، ولا الجاهل من العالم، وليس على هذا بنيت الدنيا. قال المرتد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن المسيح عبد الله، وأن محمدا صادق، وأنك أمير المؤمنين.
بينه وبين علي ابن موسى:
وقال المأمون لعليّ بن موسى الرّضا: بم تدّعون هذا الأمر. قال: بقرابة عليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبقرابة فاطمة منه. فقال له المأمون: إن لم يكن ها هنا إلا القرابة فقد خلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أهل بيته، من كان أقرب إليه من علي أو من في مثل قعدده «1» ، وإن كان بقرابة فاطمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإن الحق بعد فاطمة للحسن والحسين، وليس لعليّ في هذا الأمر حقّ وهما حيّان، فإذا كان الأمر كذلك فإن عليا قد ابتزّهما حقّهما وهما صحيحان، واستولى على ما لا يجب له.
فما أجابه عليّ بن موسى بشيء.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید