المنشورات

من واصل إلى ابن عبيد:

كتب واصل بن عطاء الغزّال إلى عمرو بن عبيد:
أما بعد، فإن استلاب نعمة العبد بيد الله، وتعجيل المعاقبة بيد الله، ومهما يكن ذلك فباستكمال الآثام، والمجاورة للجدال الذي يحول بين المرء وقلبه، وقد عرفت ما كان يطعن به عليك وينسب إليك ونحن بين ظهراني الحسن بن أبي الحسن رحمه الله، لاستبشاع قبح مذهبك، نحن ومن قد عرفته من جميع أصحابنا، ولمّه «2» إخواننا الحاملين الواعين عن الحسن؛ فلله تلكم لمّة وأوعياء وحفظة، ما أدمت الطبائع «1» ، وأرزن المجالس، وأبين الزّهد وأصدق الألسنة، اقتدوا والله بمن مضى شهابهم، وأخذوا بهديهم؟ عهدي والله بالحسن وعهدهم أمس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشرقي الأجنحة، وآخر حديث حدّثنا إذ ذكر الموت وهول المطلع، فأسف على نفسه واعترف بذنبه، ثم التفت والله يمنة ويسرة معتبرا باكيا؛ فكأني أنظر إليه يمسح مرفضّ العرق عن جبينه، ثم قال: اللهم إني قد شددت وضين «2» راحلتي، وأخذت في أهبة سفري إلى محل القبر وفرش العفر «3» ، فلا تؤاخذني بما ينسبون إليّ من بعدي. اللهم إني قد بلّغت ما بلغني عن رسولك، وفسّرت من محكم تأويلك ما قد صدّقه حديث نبيك؛ ألا وإني خائف عمرا! ألا وإني خائف عمرا! شكاية لك إلى ربّه جهرا، وأنت عن يمين أبي حذيفة أقربنا إليه؛ وقد بلغني كبير ما حمّلته نفسك، وقلّدته عنقك، من تفسير التنزيل، وعبارة التأويل؛ ثم نظرت في كتبك، وما أدّته إلينا روايتك من تنقيص المعاني، وتفريق المباني، فدلّت شكاية الحسن عليك بالتحقيق بظهور ما ابتدعت، وعظيم ما تحمّلت؛ فلا يغررك أي أخي تدبير من حولك، وتعظيمهم طولك «4» ، وخفضهم أعينهم عنك إجلالا لك، غدا والله تمضي الخيلاء والتفاخر، وتجزى كلّ نفس بما تسعى. ولم يكن كتابي إليك، وتجليبي عليك، إلا ليذكّرك بحديث الحسن رحمه الله، وهو آخر حديث حدّثناه. فأدّ المسموع وانطق بالمفروض، ودع تأويلك الأحاديث على غير وجهها، ركن من الله وجلا «5» فكأنّ قد.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید